الأخبار العاجلة
  • الجمعة, 19 ابريل 2024
أخبار السياسة و الطاقة
  • رئيس مجلس الإدارة و التحرير
    خالد حسين البيومى
السينما والسوشيال ميديا بين الفن والإسفاف
الأحد 13 مارس 2022 12:00 م

السينما والسوشيال ميديا بين الفن والاسفاف ..
مقال جديد بقلم الدكتور / محمود ابوعميرة 
......................................
نظرت أتأمل كثيرا وبحثت طويلا عما يثري الحياة من حولنا ويمنحها رونقها وجمالها فلم اجد أفضل من قيمة وروعة الاخلاق ؛ ولما لا وهي عنوان الشعوب وباعث نهضتها ووسيلة التعامل الراقي بين البشر
بها نادى صناع الفكر والرأي والمثقفون والمعلمون عبر كل العصور وعند كل الأمم 
والأخلاق قيثارة الأدباء في كتاباتهم والشعراء في قصائدهم وتغنى بها امير الشعراء شوقي قائلا : انما الامم الاخلاق ما بقيت فأن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا . وقد دعت كل رسالات السماء إليها مؤكدة على ضرورة إقامة المجتمع وحياة البشر على قيم ثابته لا تتغير بتغير الظروف والاحوال وكان هذفها السمو بالإنسان إلى أعلى مراتب الفضيلة والترفع عن الرذيلة.
فتعايش الناس بها يرفع من شأن المجتمع ويزيد من قوة بناءه.
والأخلاق تحقق التوازن بين مطالب الروح والجسد وتقنع العقل وترقى بالنفس والقلب والوجدان ولا شك أنها صالحة لكل زمان ومكان..
ومجتمعنا المصري الاصيل اكتسب قوته وبناء حضارته بما كان لديه من أخلاق وقيم أصيلة راسخة لا تتغير.
ولا شك أن كل شعوب العالم قديما وحديثا قد استلهمت الباء الأخلاقي والحضاري مما حققه الشعب المصري من رقي وتقدم على المستوى الإنساني والاجتماعي وذلك لأن شرف ومكانة مصر وجمال بنائها الأخلاقي يتجلى من أنها كانت مهبط الرسالات السماوية وموطن الانبياء ورسل الله إلى الأرض 
وبذلك يكون البناء الأخلاقي قد انطلق من مصر الى كل سكان الأرض فعلمت البشرية كيف يفكرون وكيف يتعاملون وكيف يرتقون بتصرفاتهم وسلوكياتهم.
والإنسان  في حياته يعبر عن تمثيله للقيم السامية التي تميزه عن غيره من المخلوقات الاخرى وتخرجه عن دائرة البهيمية وتحقق له التوازن النفسي والاجتماعي الذي يجعله مستمرا في حياته كإنسان عاقل يدرك أفعاله ويميز بين ما هو ضار ونافع لانسانيته.
والغريب على مجتمعنا وحياتنا ما نراه كثيرا من خلال نوافذ السينما والسوشيال ميديا اليوم من مشاهد غير لائقة ومخلة يندى لها الجبين وينفطر القلب الما من رؤيتها وتطيش العقول من هول ما نسمع ونرى ؛ بل وتنكسر النفس خجلا من سوء ما يتم تصويره من مشاهد لعرضها على الجمهور .  ولا يمكن أن يصدر ذلك إلا عن أشخاص رضوا على أنفسهم أن يسكنوا مقالب القمامة . وقد لاحظنا في الفترة الأخيرة بعض الأعمال السينمائية التي وضعت على السوشيال ميديا وانتشرت انتشار النار في الهشيم لتلقى استياء القريب والبعيد بعد أن خلقت حالة من الجدل والإحباط لدى جميع المتابعين ووضعت أهل الفن في دائرة الاتهام .
والاعجب ان هذه الأعمال لأشخاص كانوا يمثلون قيمة فنية كبيرة لدى المشاهدين.
والناظر والمتابع لتاريخ السينما القديمة يجد أنها كانت تحقق مثلث القيم الثلاثة التي نادى بها الفيلسوف القديم أرسطو عندما عرف رسالة الفن إلى الجمهور بأنها تمثل قيم الحق والخير والجمال فمعظم الأعمال السينمائية القديمة بداية من الموضوع ومرورا بالسيناريو والحوار ووصولا إلى الحبكة الفنية والدرامية ومشاهد الفيلم الأخيرة كانت بالفعل تقدم رسالة وتمثل قيمة فنية واجتماعية رائعة للجمهور يحتاج إليها المجتمع وتحتاج إليها الأسرة..
لذلك بقيت هذه الأعمال الفنية القديمة في ذاكرة المشاهدين إلى اليوم وأطلق عليها اعمال الزمن الجميل ؛ وإذا ما أراد الإنسان أن يعود بذاكرته إلى هذا الزمن ليستعيد ويستلهم عبق الماضي الجميل فإنه لا شك يعود ليشاهد اروع ما قدمته السينما القديمة إلى الجمهور آنذاك . 
ونظرا لما يقدم اليوم من أعمال غير لاىقة تتنافى مع الادب العام فإن الوعي بحدود العلاقة بين السينما والأخلاق غائبة عند كثير من أهل الفن وملتبسة عند كثير من المثقفين ايضا؛ والدليل على ذلك ما نشاهده من أعمال فنية هابطة باعتبارها تنطوي على مشاهد وألفاظ تصور الرذيلة وتخالف القيم والآداب العامة بل والفطرة البشرية نفسها .
والحقيقة أن هذا الخلط الغير مبرر لدى بعض أهل الفن الذين يشذون عن العلاقة الإيجابية بين  الاخلاق واي مهنة لاسيما التمثيل فإنهم يناقضون أنفسهم في كل ما يقدموه من أعمال هابطة.
والعجيب أنهم يتصورون أن وظيفة التمثيل أو ما يطلقون عليه رسالة الفن ليس بالضرورة أو المهم ان تنطلق من اي بعد أخلاقي ؛ وعلى هذا فكل ما يتصورون تمثيله وعرضه على الجمهور وإن خالف الفطرة فهو أمر طبيعي ومباح ؛ وتناسوا أن الفن على حقيقته ذات أبعاد إيجابية أهمها البعد الأخلاقي والاجتماعي .
ولا يمكن لأي عاقل مهما كان قبح أخلاقه أو بذاءة تصرفاته أن يتصور أن هناك مهنة من المهن التي يمكن أن تشتارك في بناء المجتمع لا هدمه أنها تقوم على أساس غير اخلاقي ؛ وإذا افترضنا أن هناك مهنة تقوم على انعدام الاخلاق فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقبلها المجتمع أو أن يدعمها .
واتسائل : ما الذي يدفع البعض من أهل الفن والسوشيال ميديا إلى هذه الأعمال الغير لائقة والغير أخلاقية مع علمهم بأنها سوف تعرض على مرئ ومسمع الدنيا كلها لاسيما في ظل ما نعيشه من تكنولوجيا واسعة الانتشار ؛ بل وستبقى في ذاكرة الناس طوال حياتهم وبعد مماتهم فتبقى شاهدة على سوء ما قدموه لأنفسهم والجمهور؟
والإجابة الوحيدة التي لا تقبل الشك والجدل هي الرغبة في الحصول على المال والشهرة ؛ فهل كنوز الدنيا تستحق أن يترك الإنسان كرامته ومبادئه ويلقي بنفسه في قاع الأسفاف والانحطاط؟ وهل الحصول على رفاهية العيش والحياة تساوي أن يتخلى الإنسان عن كل شىء جميل في حياته وعن طيب ذكراه بعد مماته وأن يترك لابناءه ولمن خلفه ما يخجلون من مشاهدته وسماعه طوال حياتهم.
أن الحياة مهما طالت أو قصرت سوف تصل بنا جميعا إلى محطة النهاية لا محالة وسوف يغادر كل منا دنياه تاركا وراءه ما قدم من خير او شر ؛ وإذا كانت هذه هي الحقيقة المطلقة التي لا ينكرها أحد منا فلا يمكن الحكم على اي شخص يقبل أن يكون تحت دائرة الاتهام الأخلاقي والاسفاف باسم الفن ورسالته في حياته وبعد رحيله إلا أنه قد فقد عقله و صوابه .


اترك تعليقك

Top