حكايات مغربية...الحكاية التاسعة والعشرين
مليكة الفاسي...صحوة المرأة المغربية
سماء المغرب دائما مشرقة بنسائها المتفردات اللواتي اشتهرن بإسهاماتهن في كل المجالات حتى في النضال والمقاومة، ولعل من أبرز وأهم الرموز النسائية التي حفظها التاريخ سيرة المناضلة "لالة مليكة الفاسية" الموقعة الوحيدة على عريضة المطالبة باستقلال المغرب.
ولدت مليكة الفاسي سنة 1919 بين أحضان أسرة من أعرق العائلات الفاسية، منخرطة حتى النخاع في الدفاع عن قضايا الوطن إبان الاستعمار الفرنسي، والدها "المهدي الفاسي" كان رجل قضاء ووالدتها "لالة طهور بنشيخ"، ولفظ "لالة" هو لفظ مغربي يطلق على السيدات الشريفات المنتميات للعائلات العريقة.
كانت الفتيات تلجأن إلى "دار الفقيهة" وهو المسجد الخاص بالفتيات، لكن الأمر كان مختلفا عند مليكة، فقد خصص لها والدها مكانا بالمنزل وجلب إليها أساتذة من القرويين حيث درست على يد صفوة الأساتذة آنذاك.
منذ طفولتها وهي متمردة على الأفكار القديمة التي تروج للتمييز والعنصرية ضد المرأة، كانت دائما تتساءل عن سبب اختفاء النساء عند دخول اي عنصر ذكري إلى المنزل، فكبرت النبتة الرافضة والمتمردة على الأعراف القديمة التي كانت تدفن المرأة في مقابر الجهل والتخلف.
اقتحمت مليكة الفاسي المجال الصحفي والذي كانت تعتقد أنه لا ينبغي أن يظل حكرا على الرجال فقط، فكانت تتناول في موضوعاتها أوضاع المرأة لتصبح أول صحفية مغربية نشر لها مقال ب"جريدة المغرب" سنة 1935 وهي ابنة الخمس عشرة ربيعا والذي كان عبارة عن دعوة لضرورة تعليم المرأة، كانت توقع مقالاتها باسم "فتاة" وكان ذلك مابين سنة 1935 و 1943، ثم بعد ذلك باسم "باحثة الحاضرة" تيمنا بالكاتبة المصرية المناضلة "ملك حفني ناصف" التي كانت توقع باسم "باحثة البادية"، لكنها لم تكتف بالنضال بالقلم بل أصبحت عنصرا فعالا في حزب الاستقلال الذي كان ينتمي إليه أغلب أفراد عائلتها وعلى رأسهم زوجها وابن عمها "محمد الغالي الفاسي" الذي كان يؤمن بأن حرية المغرب تأتي بتحرر نسائه.
التحقت مليكة بالجناح السري للحزب بعدما اقسمت على القرآن الكريم بكثمان الأسرار الوطنية السياسية مثل التواصل السري والمنظم مع الملك الراحل محمد الخامس، ولم يشك المستعمر أن امرأة واحدة فقط ستلعب دورا هاما في حركة الاستقلال، فكانت مليكة هي الوسيط الذي يحمل الأخبار والرسائل بين أعضاء الاستقلال والقصر الملكي الذي كانت تدخله بكل سهولة لعلاقتها القوية بأفراده وخصوصا زوجة الملك الراحل محمد الخامس.
وبعد استقلال المغرب، بزغ فجر جديد وعهد حديث، وكانت مليكة أول من استقبل الملك محمد الخامس عند عودته من المنفى، وطلبت منه في مؤتمر سنة 1955 منح المرأة حق التصويت بل والتنصيص على المساواة في أول دستور للمملكة.
كانت أيضا سببا مباشرا لتخصيص فرع بجامعة القرويين للطالبات بعد الاستقلال، فبعدما حصلت "لالة عائشة" ابنة الملك محمد الخامس على شهادتها الإبتدائية أصبحت متحمسة أكثر لتغيير أوضاع المرأة المغربية فكتبت مقالا مميزا بعنوان "صحوة المرأة المغربية" حيث تناولت فيه العوائق التي تحول دون ولوج الفتيات للمدارس الإعدادية بعد حصولهم على الشهادة الإبتدائية، لتنشئ كرسي بجامعة القرويين خاص بتعليم الفتيات، وكانت المناضلة المرحومة راضية الوزاني الشاهدي أول مساهمة وداعمة لتعليم الفتيات حيث تبرعت بمنزل تحول إلى مدرسة خاصة تابعة للقرويين مما شجع باقي المناضلات للتبرع بمصوغاتهن الذهبية لإنشاء أول مدرسة ممولة من المقاومات المغربيات.
تعتبر مليكة الفاسي أيضا من اوائل الأديبات، فقد كتبت عدة مسرحيات وقصص قصيرة ابرزها "الضحية" بمجلة "الثقافة المغربية" والتي تعالج موضوع الزواج التقليدي وأيضا نص "دار الفقيه" والذي كان بمثابة سيرة ذاتية.
أسدل الستار على حياة "لالة مليكة الفاسية" يوم 11 ماي سنة 2007 بمزلها بالرباط، ودفنت بضريح الحسن الأول مع زوجها محمد الفاسي، وقبل وفاتها بسنتين قام جلالة الملك محمد السادس بتوشيحها بوسام العرش من درجة ضابط كبير.
اترك تعليقك