حكايات مغربية...الحلقة الثانية
الملك الحسن التاني...مسار متفرد لقائد عظيم
بقلم /هندالصنعانى
هو الحسن بن محمد بن يوسف بن الحسن الأول، والده الملك محمد الخامس، والملك الثاني والعشرون من الأسرة العلوية الشريفة التي تحكم المغرب.
ولد الملك الحسن الثاني في 9 يوليو 1929، سمي على اسم جده السلطان الحسن، تلقى تعليمه على يد العلماء المسلمين الملحقين بالقصر الملكي، حصل على شهادة الباكلوريا بامتياز عام 1947، درس بالمغرب ثم بفرنسا حيث نال دبلوم الدراسات العليا في القانون العام سنة 1951.
رافق والده محمد الخامس في منفاه في مدغشقر، وشارك في المفاوضات من أجل الاستقلال التي جرت عام 1956.
نُصب وليا للعهد في يوليو 1957، وأسهم مع والده في بناء القوات المسلحة الملكية المغربية وقوات الأمن الوطني ووضع نواة الإدارة المركزية الحديثة، استرجع طرفاية سنة 1958، وسيدي ايفني سنة 1969.
عرف الحسن الثاني بحنكته ودهائه السياسي منذ ريعان شبابه، استطاع قيادة البلاد بحكمة بالغة، ترك بصمات سجلها التاريخ بحروف من ذهب على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفني أيضا، بفضل عبقريته الفذة التي جعلت صيته يسبقه في المجالس، حيث أثبت نجاحه وتفوقه في تجاوز أكبر الأزمات الوطنية والدولية، وحول بلاده لمنارة مضيئة ومقصد للعالم.
تحرير الصحراء المغربية من قبضة الاستعمار الإسباني بمسيرة سلمية سنة 1975 هو من أعظم وأرقى الانجازات التي يحتفل بها المغاربة كل سنة، كانت مسيرة الإصرار والعزيمة مسيرة الشموخ والحكمة، "المسيرة الخضراء"، تظاهرة مغربية شعبية أثبتت تلاحم الشعب المغربي وتشبته بوحدة أراضيه من طنجة إلى الكويرة، انطلقت في السادس من نوفمبر سنة 1975، استرجع المغرب من خلالها اراضيه الصحراوية وجاءت هذه الملحمة لتغير بعض المعايير وتضع منطقا جديدة للحروب، فبفضل حكمته البليغة، استطاع الملك الحسن الثاني أن يجنب المنطقة حربا مدمرة، واثبت أن الحق يمكن أن يؤخد بالعقل والحكمة قبل اللجوء إلى العنف والدمار.
شارك فيها 350.000 مواطن مغربي رجالا ونساء، لم يكن الأمر صعبا لاقناعهم، فعلاقة الشعب بملكهم تجعلهم يلبون النداء الوطني بكل اعتزاز و فخر، أخدوا من القرآن الكريم شعارا وسلاحا لمواجهة المغتصب.
ومن جهة أخرى، كان للملك الراحل الحسن الثاني دورا بارزا في الدعوة لعقد مؤتمر القمة العربية غير العادي في الفترة من 07 إلى 09 أغسطس 1985 ، عندما أصدر تصريحا يؤيد فيه عودة مصر إلى الجامعة العربية بل وأعلن أنه كان ضد خروجها منها.
كما كان للملك الحسن التاني دورا هاما في الترتيب لعقد لقاءات المسؤولين المصريين والإسرائليين والتي أسفرت عن اتفاقية السلام بين مصر واسرائيل(كامب ديفيد) بل إن عملية السلام انطلقت من المغرب.
وفي عهده تحققت تنمية اقتصادية واجتماعية وفنية، ففي عصره كان يضرب المثل بالمملكة المغربية كبلد استطاع أن يوفق بين الأصالة والمعاصرة.
كان أيضا ملكا بدرجة فنان ويعرف ذلك أغلب الفنانين المغاربة والعرب أيضا الذين اقتربوا منه واقترب منهم، حيث تميزت حفلات عيد الشباب أو عيد ميلاد الملك بحضور أبرز الفنانين المغاربة والمصريين كمحمد عبدالوهاب، وأم كلثوم وعبدالحليم الذي كان الأقرب إليه، والذي أهداه أغنية خاصة "الماء والخضرة والوجه الحسن".
وعن ذكائه ودهائه، سئل الملك الراحل الحسن التاني ماذا لو أن الصحراويين قالوا أنهم ليسوا مغاربة ماذا سيكون الوضع، فرد قائلا: إذا قالوا أننا لسنا مغاربة فما عليهم إلا أن يرحلوا إلى اي اتجاه آخر فأنا لا أقبل أن يوجد فوق أرضي من لا يعترفون بمغربيتهم”.
الملك الحسن الثاني كان عبقريا في قراراته وتصريحاته لم يكن أبدا يتحرج من اللقاءات الصحفية، كان يقول دائما ” لا يوجد سؤال محرج، بل هناك إجابة محرجة “.
ومن بين اللقاءات الصحفية الخالدة عندما حاوره مذيع فرنسي وسأله ماذا لو كان هناك سوء تفاهم بين المغاربة والفرنسيين من عليه القيام بمسار طويل كي يفهم الآخر، رد عليه الملك العظيم وبكل ثقة: ” اعتقد أنتم، فنحن نعرفكم جيدا أكثر مما تعرفوننا، لأنكم لم تذهبوا إلى المدارس المغربية بخلاف نحن درسنا في مدارس فرنسية، نعرف أجدادكم وأمهاتكم و نعرف تاريخكم وانتم لا تعرفون شيئا عنا، إنه دوركم اليوم لكي تتعرفوا علينا”.
هكذا عاش الملك الحسن الثاني، عبقري خالد وقائد همام، باني المغرب الحديث وموحد البلاد...إلى أن توفاه الله في يوليو 1999، يوم توشحت المملكة المغربية بالسواد والحزن، تحولت شوارع المغرب من طنجة إلى الكويرة إلى سرادق عزاء، وفي جنازة مهيبة شارك فيها ثلاثون زعيما عالميا وممثلو أكثر من 70 وفدا لدول مختلفة سار فيها المشيعون لثلاث كيلومترات إلى أن وصل جثمان المغفور له بإذن الله الملك الحسن الثاني إلى مثواه الأخير...رحمة الله عليه.
اترك تعليقك