الأمن السيبرانى المصرى بين الكفاية والكفاءة رحلة طموحة نحو المستقبل الرقمى الأمن

الأمن السيبراني المصري بين الكفاية والكفاءة رحلة طموحة نحو المستقبل الرقمي الآمن

كتب /شحاته زكريا

في عصر يتسم بالتحول الرقمي السريع والمتنامي ، أصبح الأمن السيبراني ركيزة أساسية لا غنى عنها في بناء الدول الحديثة وحماية مصالحها الوطنية .. وفي هذا السياق تبرز تجربة مصر كنموذج طموح يسعى جاهدا لتحقيق التوازن الدقيق بين الكفاية والكفاءة في مجال الأمن السيبراني مدركة أن هذا المجال هو خط الدفاع الأول ضد التهديدات الرقمية المتزايدة التي تواجه الدول في القرن الحادي والعشرين .. 

بدأت مصر رحلتها نحو تعزيز أمنها السيبراني بخطوات واثقة ومدروسة ، مستشعرة أهمية هذا المجال الحيوي في ظل التحولات العالمية المتسارعة .. فقد اتخذت الدولة المصرية سلسلة من الإجراءات الهامة التي تهدف إلى وضع الأسس القوية لمنظومة أمن سيبراني متكاملة .. من أبرز هذه الخطوات:

1. تأسيس المجلس الأعلى للأمن السيبراني: 
يمثل هذا المجلس الجهة العليا المسؤولة عن رسم السياسات واتخاذ القرارات الاستراتيجية في مجال الأمن السيبراني على المستوى الوطني ويعكس إنشاؤه إدراك القيادة المصرية لأهمية وجود جهة مركزية تقود الجهود الوطنية في هذا المجال الحيوي ..

2. إطلاق الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني:
تمثل هذه الاستراتيجية خارطة الطريق التي تحدد الأهداف والأولويات الوطنية في مجال الأمن السيبراني وهي تهدف إلى تعزيز قدرات مصر في مواجهة التهديدات السيبرانية وبناء بيئة رقمية آمنة تدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

3. الانضمام إلى الاتفاقيات العربية والدولية:
حرصت مصر على الانضمام إلى الاتفاقيات العربية لمكافحة جرائم الإنترنت والإرهاب الرقمي، مما يعكس التزامها بالتعاون الإقليمي والدولي في مواجهة التحديات السيبرانية العابرة للحدود.

4. إنشاء مركز الاستجابة لطوارئ الحاسب الآلي "سيرت" المصري:
يلعب هذا المركز دورا محوريا في تقديم الدعم المباشر للقطاعات الحيوية وخاصة النظم المصرفية والحكومية لمساعدتها على مواجهة التهديدات السيبرانية المتنوعة والمتجددة.

5. إطلاق القمر الصناعي "طيبة 1":
يمثل إطلاق هذا القمر في عام 2019 خطوة هامة نحو تعزيز قدرات مصر في مجال الأمن السيبراني حيث يساهم في تأمين الفضاء الإلكتروني المصري ويوفر تغطية شاملة للدولة وبعض المناطق المجاورة.

رغم هذه الخطوات الهامة التي تعكس الكفاية في التخطيط والتنفيذ إلا أن التحدي الأكبر يكمن في تحقيق الكفاءة المنشودة على أرض الواقع فالأمن السيبراني مجال ديناميكي سريع التطور يتطلب تحديثا مستمرا للاستراتيجيات والتقنيات والمهارات.

لذلك تواجه مصر عدة تحديات في سعيها لتحقيق الكفاءة المطلوبة في مجال الأمن السيبراني:

1. الاستثمار المستمر في البنية التحتية الرقمية:
يتطلب الأمر ضخ استثمارات كبيرة ومستمرة لتحديث وتطوير البنية التحتية الرقمية بما يتناسب مع التطورات التكنولوجية المتسارعة.

2. تطوير الكوادر البشرية المتخصصة:
هناك حاجة ملحة لبناء قدرات وطنية متخصصة في مجال الأمن السيبراني، من خلال برامج تدريبية متقدمة وتعاون مع الجامعات والمؤسسات التعليمية.

3. تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص:
يعد التعاون الوثيق بين الحكومة والقطاع الخاص أمراً حيوياً لتطوير حلول أمن سيبراني مبتكرة وفعالة.

4. تطوير الإطار التشريعي والقانوني:
يحتاج الأمر إلى تحديث مستمر للتشريعات والقوانين لمواكبة التطورات التكنولوجية وضمان الحماية القانونية في الفضاء السيبراني.

5. زيادة الوعي المجتمعي:
يعد نشر الوعي بأهمية الأمن السيبراني بين أفراد المجتمع أمرا ضروريا لبناء ثقافة رقمية آمنة.

6. مواكبة التطورات العالمية:
في ظل التهديدات السيبرانية المتطورة باستمرار، تحتاج مصر إلى البقاء على اطلاع دائم بأحدث التقنيات والاستراتيجيات العالمية في مجال الأمن السيبراني.

إن الطريق نحو تحقيق الريادة في مجال الأمن السيبراني لا يزال طويلا أمام مصر .. ومع ذلك فإن الأسس القوية التي وضعتها الدولة تبشر بمستقبل واعد شريطة الاستمرار في النهج التطويري والاستثمار الذكي في هذا المجال الحيوي.

في الختام يمكن القول إن الأمن السيبراني المصري يمر بمرحلة انتقالية هامة بين الكفاية والكفاءة فبينما نجحت مصر في وضع الأطر والاستراتيجيات اللازمة (الكفاية) يبقى التحدي الأكبر في تحويل هذه الخطط الطموحة إلى واقع ملموس يحقق الكفاءة المنشودة في حماية المصالح الوطنية ودعم التنمية الشاملة في العصر الرقمي.

إن نجاح مصر في تحقيق التوازن بين الكفاية والكفاءة في مجال الأمن السيبراني سيكون له انعكاسات إيجابية كبيرة ليس فقط على أمنها القومي وتنميتها الاقتصادية بل أيضا على مكانتها الإقليمية والدولية كنموذج رائد في مواجهة تحديات العصر الرقمي .. وبينما تواصل مصر مسيرتها نحو بناء مستقبل رقمي آمن ، فإن العالم يراقب بترقب هذه التجربة الطموحة التي قد تشكل نموذجا يحتذى به للدول النامية الساعية لتعزيز أمنها السيبراني في القرن الحادي والعشرين.