الأخبار العاجلة
  • الأحد, 22 ديسمبر 2024
أخبار السياسة و الطاقة
  • رئيس مجلس الإدارة و التحرير
    خالد حسين البيومى
التغير المناخي وأثره على مستقبل المنطقة العربية
الجمعة 13 ديسمبر 2024 06:05 م

كتب/شحاته زكريا

يشكل التغير المناخي تهديدا متزايدا للعالم بأسره لكن تأثيره يبدو أكثر وضوحا وخطورة في المنطقة العربية. تقع هذه المنطقة ضمن أكثر بقاع الأرض عرضة لتبعات الاحتباس الحراري ، مع ما يشهده العالم من ارتفاع متسارع في درجات الحرارة وتغير أنماط الطقس ، وتصاعد الكوارث الطبيعية. ورغم أن الدول العربية ليست من كبار المساهمين في الانبعاثات العالمية ، إلا أن موقعها الجغرافي وهشاشة بنيتها البيئية يجعلها أكثر عرضة لتبعات هذا الخطر المتنامي.  

الحديث عن التغير المناخي لم يعد رفاهية ، بل أصبح ضرورة حتمية تمس بقاء الإنسان وموارده في هذه المنطقة. ظاهرة التصحر وندرة المياه ، التي كانت تحديات قديمة في العالم العربي ، أصبحت أكثر تفاقما بفعل التغير المناخي. فقد شهدنا في السنوات الأخيرة تراجعا ملحوظا في مصادر المياه الجوفية ، وارتفاع معدلات الجفاف التي أثرت بشكل مباشر على الأمن الغذائي. أضف إلى ذلك ارتفاع مستوى سطح البحر الذي يهدد السواحل والمدن الكبرى ، مثل الإسكندرية ودمشق  وعدن، ما يضع مستقبل السكان والبنية التحتية على المحك.  

رغم هذه التحديات فإن المنطقة العربية تملك إمكانات كبيرة للتكيف مع هذه الأزمة ، بل وتحويلها إلى فرصة للنمو المستدام. الطاقة المتجددة تمثل أحد أبرز الحلول التي يمكن للمنطقة تبنيها لمواجهة التغير المناخي. بعض الدول العربية، مثل الإمارات والسعودية والمغرب بدأت في اتخاذ خطوات جادة لتطوير مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ، في محاولة لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري الذي يعد من أبرز المسببات لانبعاثات الكربون. هذه الجهود بحاجة إلى التوسع والتنسيق بين جميع دول المنطقة ، لتحويل العالم العربي إلى نموذج عالمي في الاستفادة من الموارد الطبيعية المتجددة.  

لكن التحرك العربي لمواجهة التغير المناخي لا يمكن أن يقتصر على الحكومات فقط. يجب أن يكون هناك تكامل بين القطاع الخاص والمجتمع المدني، والمؤسسات الأكاديمية، لابتكار حلول فعالة ومستدامة. التعليم والتوعية يلعبان دورا محوريا في هذا السياق. إذ يجب أن تُدرج قضايا البيئة والمناخ في المناهج الدراسية لتنشئة أجيال جديدة تمتلك الوعي الكافي لتحديات المستقبل ، وتملك القدرة على تقديم حلول مبتكرة.  

علاوة على ذلك فإن التعاون الإقليمي هو المفتاح لتجاوز هذه الأزمة. كثيرا ما تعاني الدول العربية من عدم التنسيق في مواجهة التحديات المشتركة ، لكن التغير المناخي يفرض عليها توحيد الجهود وتبني استراتيجيات جماعية. إنشاء صندوق إقليمي لدعم المشاريع البيئية أو إطلاق برامج عربية مشتركة لإعادة تأهيل المناطق المتضررة ، يمكن أن يمثل خطوة مهمة في هذا الاتجاه.  

التحديات المرتبطة بالمناخ لا تقتصر على الجانب البيئي فقط بل تمتد لتؤثر على الاقتصاد والاستقرار الاجتماعي. فالتغير المناخي قد يكون شرارة لاندلاع صراعات جديدة حول الموارد كما أنه يمثل عبئا اقتصاديا إضافيا على الدول سواء من حيث التكاليف المرتبطة بالكوارث الطبيعية أو من خلال الضغط على القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة. لذلك فإن الاستجابة لهذه الأزمة يجب أن تكون شاملة، تأخذ بعين الاعتبار الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.  

الوقت لم يعد في صالحنا ، وأي تأخير في التحرك سيزيد من حجم الخسائر. العالم العربي أمام فرصة حقيقية لتبني رؤية استباقية وشاملة لمواجهة التغير المناخي. هذه الأزمة قد تبدو كتهديد حالي ، لكنها يمكن أن تتحول إلى نقطة تحول نحو مستقبل أكثر استدامة. بيد أن تحقيق ذلك يتطلب إرادة سياسية قوية ورؤية جماعية تستثمر في الإنسان والبيئة، لضمان مستقبل مشرق للأجيال القادمة.


اترك تعليقك

Top