دوري السوبر الأوروبي.. نهاية مشروع أم مفترق طرق؟
كتب /احمد صلاح
شهدت الكرة العالمية مؤخرً، العديد من التطورات المتسارعة، وغير المسبوقة في تاريخ كرة القدم الأوروبية تمثلت في إعلان 12 ناديًا من أهم أندية كرة القدم في العالم عن توصلهم لاتفاق لتدشين بطولة " دوري السوبر الأوروبي "، تنظمها الأندية المؤسسة بشكل منفصل عن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا).
وعلى مدار 48 ساعة ما بين الإعلان عن إطلاق المسابقة الأوروبية الجديدة في أقرب وقت ممكن، وما بين الإعلان عن توقف / تجميد المشروع، دارت العديد من المساجلات، والمناقشات بين أطراف اللعبة، والمهتمين بها، حول هذا المشروع، والدوافع من وراءه، وردود فعل المؤسسات الحاكمة، وعناصر اللعبة، والمصير المنتظر لهذه الفكرة في المستقبل المنظور.
جائحة كورونا وتراجع الشعبية
دافع فلورنتينو بيريز رئيس ريال مدريد عن البطولة الجديدة ، وأنها تجئ كرد فعل للتعاطي مع الوضع السيئ الذي خلفته جائحة كورونا من خسائر مادية، كما أشار إلى أن كرة القدم الآن بدأت تفقد الاهتمام، وانخفضت معدلات المشاهدة وبالتالي حقوق البث، وأن الشباب من 16 إلى 24 عاما ليس لديهم اهتمام باللعبة، وأصبحوا مهتمين بأنشطة أخرى.
تأتي هذه الادعاءات في ظل موجة ثالثة تضرب العالم من جائحة كورونا، رغم سباقات اللقاحات، وأن تأثير كورونا السابق على كافة المجالات ومنها كرة القدم، سيؤثر بدوره على البطولة الجديدة المقترحة.
كما أن تراجع اهتمام الشباب يعود إلى أسباب أخرى غير ضعف وعدم جاذبية البطولات الحالية، منها تغير اهتمامات، وأذواق الشباب، والتنافسية التي تجدها كرة القدم من التطبيقات، والألعاب الإليكترونية الحديثة ( تيك توك، وبابجي)، وعلاج كل ذلك لا يتأتى بتضييق المنافسة وحصرها على الأندية الكبرى، بل فتح، وتوسيع المنافسة هو ما يضمن توسيع الشعبية وزيادة المشاهدة.
أمركة كرة القدم
يشير مصطلح الأمركة إلى محاولة تعميم الصبغة، والنموذج الأمريكي في كافة مجالات الحياة، ومنها بالتأكيد كرة القدم التي تحولت إلى صناعة ضخمة، لها اقتصاداتها، واستثماراتها الهائلة، بدأت المحاولات الأمريكية الأولى في الفكر الاستثماري في كرة القدم في التعاقد مع نجوم عالمية لزيادة شعبية رياضة كرة القدم، فمثلا تعاقد نادي نيويورك كوزموس مع أسطورة الساحرة المستديرة " بيليه " عام 1975، و تعاقد نادي مترو ستارز مع لوثر ماتيوس، كما كان الدافع الرئيس لطلب الولايات المتحدة الأمريكية تنظيم كأس العالم 1994 هو زيادة شعبية الساحرة المستديرة، في بلد تتنافس فيه العديد من الألعاب على اهتمام الجمهور ككرة القدم الأمريكية، والسلة.
تتجلى المحاولات الأمريكية في السيطرة على كرة القدم الأوروبية في اعتزام بنك جي بي مورجان الأمريكي رعاية وتمويل مشروع بطولة دوري السوبر الأوروبي بقيمة 3 مليار و200 مليون يورو، المبلغ الذي كان سيقسم على الأندية حال انضمامها للمشروع.
كما لا يخفى حجم الاستثمار الأمريكي في الدوري الانجليزي في أندية مثل (ليفربول، مانشستر يونايتد، وآرسنال، وسندرلاند، وفولهام، وكريستال بالاس)، والتي شارك بعضها في مشروع السوبر الأوروبي.
وفي هذا الصدد وصف الايطالي كارلو أنشيلوتي المشروع ب" المزحة"، وأكد على أن "الثقافة الرياضية في أوروبا مختلفة عن الرياضة الأمريكية".
واجه المشروع المعلن العديد من ردود الفعل الرافضة على المستوى السياسي، والمؤسسي، مما أدت إلى وأد الفكرة في مهدها.
غياب الدعم السياسي
لكي تضمن نجاح واكتمال أي مشروع في أي مجال لابد من وجود إرادة سياسية داعمة، وهو ما لم يكن موجودًا في حالة مشروع الدوري الأوروبي الذي واجه اعتراضات واضحة من أعلى المستويات السياسية الأوروبية، فدعم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا" في موقفه المعارض للمشروع لأنه يهدد مبدأ التضامن والجدارة الرياضية، وعلى نفس الدرب سار بوريس جونسون رئيس وزراء المملكة المتحدة في رفض المشروع لأنه يسيء إلى المبادئ الأساسية للمنافسة.
المؤسسية مقابل الأفراد
بدت فكرة دوري السوبر الأوروبي وكأنها رغبة، أو حلم شخصي لمجموعة من رؤساء، وملاك الأندية المشاركة على رأسهم فلورنتينو بيريز رئيس ريال مدريد، ومن وراءه أندريا أنييلي رئيس يوفينتوس، إلا أن هذه الرغبة/الحلم اصطدم بالمؤسسات التقليدية الحاكمة لكرة القدم التقليدية، كالاتحاد الدولي لكرة القدم ( فيفا)، والاتحاد الأوروبي (يويفا) وروابط الدوريات الأوروبية الكبرى، التي كانت واضحة جدا في انتقادها للفكرة الوليدة، لدرجة تهديدها في بيان رسمي بأن "الفرق التي ستشارك في هذا الدوري، لن تشارك في أي بطولة محلية أو أوروبية أو عالمية أخرى، وسيُمنع لاعبوها من المشاركة مع منتخباتهم الوطنية".
أثارت هذه التطورات العديد من التساؤلات منها حول المحركين الأساسيين في كرة القدم الأوروبية، المال أم المؤسسات أم السلطة والنفوذ، كذلك مدى نزاهة وحيادية المؤسسات ودوافع انشائها واستمراريتها.
اللاعبون والجمهور .. الأوراق الرابحة
في الوقت الذي ينأي لاعبونا في الوطن العربي بأنفسهم عن ابداء الرأي في قضايا عامة تهم المجتمع، أو حتى تهم مجالهم، والصناعة التي ينتمون لها، خوفًا من بطش الادارات، أو هياج الجماهير، يختلف الوضع في الكرة الأوروبية، فنجد أن اللاعبين ليسوا مجرد مرتزقة، أو تروس في صناعة ضخمة، دون اعتبار لآرائهم، ومواقفهم إزاء المستجدات والمقترحات الهادفة لتطوير اللعبة.
حيث قام العديد من اللاعبين بإبداء رفضهم للمشروع المقترح، فأصدر جوردان هندرسون قائد ليفربول، بيانا عبر تويتر شاركه فيه كل من محمد صلاح، جيمس ميلنر، آندي روبرتسون، ترينت أليكساندر أرنولد، وفيرجيل فان دايك،، يرفضون فيه مشاركة النادي في دوري السوبر الأوروبي.
وكتب سيسك فابريجاس على تويتر: " شكرًا لجمهور كرة القدم، الرياضة الجميلة لا شيء دونكم".
كما أعرب اللاعبان السابقان بالمنتخب الألماني، لوكاس بودولسكي ومسعود أوزيل، عن رفضهما لفكرة البطولة.
وقال بودولسكي، عبر "تويتر": "استيقظت اليوم على أنباء مجنونة، إهانة لاعتقادي ومنظوري بأن كرة القدم هي السعادة والحرية والعاطفة والجماهير وأنها للجميع".
وواصل: "هذا المشروع مثير للاشمئزاز وغير عادل، أشعر بخيبة أمل لرؤية الأندية التي لعبت لها سابقا وهي تشارك في هذا.. قاوموا هذا!".
وقال أوزيل، عبر نفس الموقع: "الأطفال يكبرون وهم يحلمون بالفوز بكأس العالم، ودوري الأبطال الأوروبي، وليس دوري السوبر.. الاستمتاع بالمباريات الكبيرة ينبع من أنها تكون مرة أو مرتين فقط في العام، وليس في كل أسبوع".
يقولون أن كرة القدم بدون جمهور كالمسرح بدون متفرجين، وبرهنت جماهير كرة القدم الأوروبية على دورها الحاسم في إنجاح أو افشال بقية عناصر اللعبة، فبمجرد الاعلان عن فكرة السوبر الاوروبي، واجهت غضبًا عارمًا من جماهير الأندية منها جماهير البلوز تشلسي التي اعترضت حافلة الفريق عند دخوله ملعب ستامفورد بريدج، قبل مواجهة برايتون في الجولة 32 من الدوري الإنجليزي، وجماهير ليفربول التي رفعت لافتات خارج ملعب أنفيلد تندد فيها، بموقف ناديهم كتب على أحدهما: «جماهير ليفربول ضد بطولة السوبرليج»، وعلى الأخرى «عار عليكم، فلترقد بسلام يا ليفربول 1892- 2021».
أظهرت أزمة دوري السوبر الأوروبي الفجوة بين إدارات ورؤساء الأندية، وبين جماهيرها، إذ كيف اقدمت الأندية على هذا المشروع، دون استطلاع رأي جماهيرها، وكيف يدعي ملاك، ورؤساء الأندية أنهم يعملون لصالحهم، ويواجهون كل هذه المقاومة.
دروس مستفادة
انتهى مشروع دوري السوبر الأوروبي قبل أن يبدأ، فأعلن منظموه، تجميد المشروع حتى يتم تشكيله من جديد، وذلك بعد انسحاب أغلب الأندية منه، واعترف بنك جي بي مورجان تشيس الأمريكي بأنهم أخطأوا في تقدير الكيفية التي سينظر بها مجتمع كرة القدم الأوسع إلى هذه الصفقة، وكيفية تأثير المسابقة عليهم في المُستقبل، وأنهم سوف يتعلموا من هذه التجربة.
لكن الوقت القصير ما بين الإعلان عن المشروع ، وقرار تجميده يحمل العديد من الرسائل، والدروس المستفادة منها:
- أن كرة القدم تمر بمرحلة فارقة، ووجودية من تاريخها، تحتم على المخلصين لها، ايجاد حلول ناجعة للمشكلات التي تعاني منها، تحفظ لها قيمتها، وتخدم كافة عناصرها.
- فشل مشروع السوبر الأوروبي، لا يعني فشل الفكرة، أو استسلام أصحابها، فهم سيعودون، ويحاولون مرة أخرى.
- نجاح المؤسسات التقليدية في كرة القدم في اجهاض المشروع، لا يعفيها من المثالب التي تشوب أداءها، بل يحتم عليها مراجعة ذاتها، وحوكمة ممارساتها، وتعزيز قيم الشفافية، والنزاهة، والافصاح، والعدالة في توزيع العوائد.
اترك تعليقك