حكايات مغربية...الحكاية السابعة والعشرين
عميد المؤرخين المغاربة...عبد الهادي التازي
مؤرخ فريد وعاشق للمخطوطات التاريخية، ديبلوماسي من الطراز الرفيع، جال العالم باحثا عن العلم والمعرفة، ترك بصمة عميقة في العالم العربي هو الموسوعة المغربية عبدالهادي التازي.
ولد عبدالهادي التازي بمدينة العلماء والفقهاء فاس في 15 يونيو 1921، حفظ القرآن قبل ولوجه التعليم الإبتدائي والثانوي، التحق بعد ذلك بجامعة القرويين ليتخرج منها سنة 1947 عالما بدرجة متفوق جدا وعين فيها استاذا سنة 1948.
شكلت جامعة القرويين قاعدة صلبة استند عليها في نشأته وتعليمه، حيث جمع بين الثقافتين، ثقافة القرويين بأصالتها الدينية واللغوية، والثقافة الحديثة بتوجهاتها العصرية.
عشق التازي اللغة العربية منذ الصغر، كان له لغة عربية أنيقة كما عرف بدفاعه المستميت عنها ضد الفركوفونية التي كانت تسيطر على دول شمال افريقيا بسبب الاستعمار الفرنسي رغم ايمانه الشديد بضرورة تعلم اللغات الأجنبية.
نال عبدالهادي التازي سنة 1963 دبلوم الدراسات العليا من كلية الآداب بالرباط، كما حصل على شهادة في اللغة الإنجليزية من معهد اللغات في بغداد سنة 1966، حصل أيضا على دكتوراه الدولة من جامعة الإسكندرية في مصر عام 1972 واختار موضوع أطروحته "جامعة القرويين".
مسيرة عبدالهادي التازي العلمية والمهنية تدرس في المدارس والجامعات، حيث شغل الراحل عدة مناصب علمية ودبلوماسية، فبعدما شغل منصب استاذا في جامعة القرويين في بداية مشواره المهني، عين مديرا للمعهد الجامعي للبحث العلمي، ساهم أيضا في تأسيس اتحاد كتاب المغرب وأكاديمية المملكة المغربية، أما عن مسيرته الدبلوماسية فقد عين سفيرا للمغرب في عدة دول كالعراق وليبيا وايران والأمارات العربية، فكان أول سفير مغربي لدى إمارة أبوظبي حيث كان أول من حمل رسالة من الملك الراحل الحسن الثاني إلى الشيخ زايد بن سلطان رحمة الله عليهما.
عين أيضا رئيسا للمؤتمر العالمي السادس للأسماء الجغرافية بنيويورك، ونال أيضا عضوية مجموعة من الهيئات الثقافية منها المجمع العلمي العراقي، مجمع اللغة العربية بالقاهرة والمعهد العربي الأرجنتيني، ومؤسسة آل البيت، ومجمع اللغة العربية بالأردن، ومجمع اللغة العربية بدمشق، كما درّس للملك محمد السادس في المدرسة المولوية النحو والفقه.
محطته بمصر كانت مهمة جدا بالنسبة له، حيث التقى بكوكبة من العلماء والكتاب الذين سبق لهم زيارة المغرب بعد الاستقلال أبرزهم الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي، والدكتور جمال الدين الشيال والدكتور أحمد مختار العبادي، لكن علاقته بطه حسين كانت خاصة جدا لأنهما قدما معا محاضرات عديدة بالرباط وفاس.
للدكتور التازي عدة مؤلفات منها: (جامع القرويين: المسجد والجامعة)، و(أعراس فاس)، و(قصر البديع بمراكش من عجائب الدنيا)، و(أوقاف المغاربة في القدس)، و(دفاعاً عن الوحدة الترابية)، و(الإمام إدريس مؤسس الدولة المغربية). و(المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي). وأخرى في العلاقات الدبلوماسية والسياسية؛ منها: (جولة في تاريخ المغرب الدبلوماسي) في خمسة عشر مجلدًا، و(تاريخ العلاقات المغربية الأمريكية)، و(العلاقات المغربية الإيرانية)، و(الرموز السرية في المراسلات المغربية عبر التاريخ). و(إيران بين الأمس واليوم). 18 ـ الموجز في تاريخ العلاقات الدولية للمملكة المغربية، وله في الأدب العربي (آداب لامية العرب)، وفي التحقيق: (تاريخ المن بالإمامة) لابن صاحب الصلاة، و(الفريد في تقييد الشريد) لأبي القاسم الفجيجي.
استطاع عبدالهادي التازي أن يجمع بين السياسي والمثقف لأن من وجهة نظره أن السياسي الناجح هو الذي يكون على قدر كبير من الثقافة والمثقف لا يكون مثقفا إلا إذا كان خبيرا بدهاليز السياسة، ورحل عن عالمنا هذا الرجل العظيم يوم الخميس 2 أبريل 2015 عن سن ناهز 94 تاركا لنا إرثا ثقافيا وسياسيا ودينيا نفخر به أمام العالم.
اترك تعليقك