كتب /شحاته زكريا
في ظل التحولات الاقتصادية العالمية والتحديات التي تواجه الدول النامية ، تُدرك الحكومة المصرية أن تعزيز الاستثمارات المحلية أصبح ضرورة ملحة. إن الاهتمام ببناء اقتصاد قائم على الإنتاجية والاستثمار الحقيقي يستوجب خارطة طريق متكاملة لا تعتمد فقط على الحوافز الضريبية أو التمويلات بل تستند إلى أسس أعمق ، تهدف إلى تحسين المناخ الاستثماري ، وخلق بيئة مواتية تدفع بالمستثمرين نحو الصناعات الإنتاجية ، وتحد من التحديات البيروقراطية التي طالما أعاقت النمو.
إن التوجه الجديد الذي تتبناه الحكومة المصرية والذي يركز على تبسيط الإجراءات وتقديم حوافز ضريبية جاذبة ، هو خطوة في الطريق الصحيح لكنه ليس الهدف بحد ذاته. فمصر بحاجة إلى نهج اقتصادي شامل يُعنى بتسهيل الإجراءات في مختلف المراحل الاستثمارية وخلق نظام إداري قادر على التعامل مع متغيرات السوق بكفاءة. فعلى سبيل المثال فإن إعادة هيكلة بعض القوانين والتشريعات ذات الصلة بتراخيص المشاريع وتسهيل إجراءات بدء الأعمال تُعد عوامل أساسية لجذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية على حد سواء.
ولأن الصناعات الصغيرة والمتوسطة تعتبر العمود الفقري لأي اقتصاد ناشئ تُولي الحكومة المصرية اهتماما خاصا لهذا القطاع من خلال توفير تمويلات ميسرة وتسهيلات مالية تساعد المشاريع الناشئة على النمو والاستمرار. وليس هذا فحسب بل تطرح الحكومة مبادرات جديدة تهدف إلى دمج هذه الصناعات ضمن سلاسل التوريد الوطنية، مما يخلق تكاملا اقتصاديا يضمن تلبية احتياجات السوق المحلية ويحد من الاعتماد على المنتجات المستوردة. فهذه المبادرات إلى جانب الحوافز التي تشمل إعفاءات ضريبية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة تسهم في خلق بيئة استثمارية جاذبة وتُشجع الشباب ورواد الأعمال على دخول سوق العمل بثقة.
وفيما يتعلق بالبيروقراطية ، تعد إزالة العراقيل الإدارية من أهم الخطوات التي يجب تسريعها. فقد أصبحت الإجراءات المعقدة والروتين العتيق من أكبر المعوقات التي تواجه المستثمرين المحليين خاصة في مجال الصناعات الحيوية مثل الطاقة والصناعة التحويلية. ولذلك تحتاج الدولة إلى تطبيق نظام إلكتروني مرن يساعد على تسريع الإجراءات ويقلل من الاعتماد على الورقيات. هذا النظام يجب أن يكون قادرا على مراقبة سير الإجراءات وتوفير الشفافية ، بما يتيح للمستثمرين رؤية واضحة حول تقدم مشروعاتهم ويعزز من الثقة بين القطاع الخاص والحكومة.
إن هذا النهج المتكامل لا يقتصر على الحوافز المالية والتشريعات بل يمتد إلى تحسين البنية التحتية وتطوير مناطق صناعية متخصصة تكون قادرة على استيعاب المشاريع الاستثمارية وتوفر كل الاحتياجات اللوجستية والتقنية للمستثمرين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن تطوير شبكات النقل والموانئ والطاقة يُعد عاملا أساسيا في دعم الصناعة وتسهيل عمليات التصدير مما يسهم في رفع تنافسية المنتجات المصرية في الأسواق العالمية.
ولعل ما يميز المرحلة الحالية هو إدراك الحكومة لأهمية الحوار مع القطاع الخاص والاستماع لاحتياجاتهم وتحدياتهم. ففي ظل المتغيرات الاقتصادية المتسارعة من الضروري أن يكون هناك تنسيق مستمر بين الحكومة والمستثمرين لضمان استدامة النمو الاقتصادي. هذا الحوار يساهم في بناء رؤية مشتركة ترتكز على تحقيق أهداف التنمية الشاملة ، ويخلق مناخا من التعاون الذي يُعزز من قدرة مصر على مواجهة التحديات الاقتصادية وتحقيق النمو.
في النهاية إن الطريق نحو استعادة ثقة المستثمرين المحليين يحتاج إلى مزيج من الاستراتيجيات والسياسات المتكاملة. هذه الجهود إذا ما استمرت بنفس الزخم ستسهم في تحويل مصر إلى مركز استثماري جاذب يعزز من دوره كمحرك للنمو الاقتصادي في المنطقة ويُعيد توجيه بوصلته نحو بناء اقتصاد قائم على الإنتاج لا الاستهلاك.
ختاما يمكن القول إن مصر أمام فرصة حقيقية لرسم مستقبل اقتصادي واعد شرط أن تستمر في تنفيذ سياسات جريئة وجادة تتحدى المعوقات التقليدية وتفتح الآفاق نحو تنمية مستدامة تستند إلى الاستثمار في القدرات المحلية والتشجيع على الابتكار في مختلف القطاعات
اترك تعليقك