كتب /شحاته زكريا
وسط تعقيدات المشهد السياسي والاجتماعي السوري ، تبرز الحاجة الملحّة إلى رسم خارطة طريق تعيد بناء الدولة ومؤسساتها ليس فقط على أساس القوانين والدساتير بل على قاعدة ثقافية واجتماعية تعزز قيم الحرية والمساءلة والحوار. الأزمات التي شهدتها سوريا على مدار العقد الماضي كانت انعكاسا لتحلل البنية السياسية وغياب آليات الحكم الرشيد ، مما أدى إلى فراغ خطير في الهيكل المؤسسي وخلق بيئة ملائمة للتطرف والفوضى.
إن إعادة بناء الدولة السورية لا تتعلق فقط بإعداد دستور جديد أو تشكيل حكومة توافقية ، بل تتطلب عملية متكاملة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، تنطلق من تعزيز ثقافة قبول الآخر والاحتكام للحوار بدلا من الصدام. فالتحولات السياسية الناجحة تعتمد على وجود نخب تمتلك الوعي السياسي والنضج الكافي لتجاوز المصالح الضيقة لصالح المصلحة العامة.
من دروس التجارب الدولية التي يمكن أن تلهم سوريا اليوم تجربة كوريا الجنوبية التي استطاعت تجاوز أزمات سياسية خانقة عبر التزام النخب السياسية فيها بمبادئ الديمقراطية والحوار. على النقيض نجد النموذج الفرنسي.الذي أظهرت نُخبُه السياسية صعوبة في تجاوز الانقسامات ، مما أوقع الدولة في حالة من الجمود السياسي. هذان المثالان يُظهران أن الاستقرار لا يتطلب فقط مؤسسات قوية، بل ثقافة سياسية تتبنى التعاون والشفافية واحترام حقوق الجميع.
في الحالة السورية يبدو واضحا أن إنهاء الصراع لا يمكن تحقيقه عبر الحلول العسكرية فقط ، بل من خلال مشروع وطني جامع يعيد ترتيب الأولويات. يجب أن تركز هذه الأولويات على إصلاح النظام التعليمي لتعزيز الوعي المدني وإعادة بناء القضاء لضمان سيادة القانون ، وتنظيم الإعلام ليكون منصة لنشر قيم التعددية والتسامح.
كما أن للمجتمع الدولي دورا محوريا في هذا السياق ليس فقط من خلال الدعم الإنساني بل بالمساعدة في بناء القدرات الوطنية وتسهيل الحوار بين الأطراف المتنازعة. الدعم الخارجي يجب أن يكون محفزا للإصلاحات وليس بديلا عنها حتى لا تتحول سوريا إلى دولة تعتمد بشكل كامل على المساعدات دون تحقيق استدامة داخلية.
في النهاية ما تحتاجه سوريا اليوم هو رؤية متكاملة تُعيد تعريف العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتُرسخ مفاهيم العدالة والمساواة مع إعلاء قيمة المصلحة العامة على كل الاعتبارات الأخرى. قد تبدو هذه المهمة صعبة وسط تعقيدات المرحلة لكنها ليست مستحيلة. فالتاريخ مليء بالنماذج التي تمكنت فيها شعوب من تجاوز محنها عبر إرادة جماعية وإصرار على البناء ، وهو الطريق الذي يمكن للسوريين أن يسلكوه لكتابة فصل جديد من تاريخهم.
اترك تعليقك