الأخبار العاجلة
  • الخميس, 09 يناير 2025
أخبار السياسة و الطاقة
  • رئيس مجلس الإدارة و التحرير
    خالد حسين البيومى
شرق المتوسط.. تحالف يصنع التاريخ
الأربعاء 08 يناير 2025 07:58 م

كتب/زكريا شحاته

في أعماق التاريخ كان شرق المتوسط دائما ملتقى للحضارات ومحطة لتلاقح الثقافات. اليوم يعود هذا الإقليم ليُكتب فيه فصل جديد ليس فقط كأرض تحمل ماضيا مشتركا بل كركيزة لتعاون يُعيد تشكيل المستقبل. القمة الثلاثية بين مصر، اليونان، وقبرص ليست مجرد اجتماع قادة ، بل لوحة متكاملة ترسم مشهدا جديدا في عالم تمزقه الصراعات وتُثقل كاهله الأزمات.  

في الوقت الذي تنشغل فيه العديد من الدول بتحديات داخلية وصراعات إقليمية ، تبدو مصر واليونان وقبرص كنموذج مختلف. هنا يتجلى مفهوم الشراكة الحقيقية. إنها ليست مجرد تحالف اقتصادي أو سياسي بل رؤية استراتيجية تنطلق من الجغرافيا، وتُغذَّى بالتاريخ، وتُعززها المصالح المشتركة.  

القمة الأخيرة في القاهرة حملت رسالة واضحة: هذا التحالف ليس لقاء بروتوكوليا ينتهي بانتهاء البيان الختامي. إنه استثمار في الحاضر والمستقبل. الربط الكهربائي بين مصر وأوروبا، والاستفادة من موارد الغاز الطبيعي في شرق المتوسط، ومشروعات البنية التحتية العابرة للحدود، ليست إلا بداية لقصة أكبر، قصة تُعيد تعريف معنى التكامل الإقليمي في القرن الحادي والعشرين.  

لكن القصة لا تنحصر في الاقتصاد والطاقة. التعاون الثقافي والتاريخي هو الركيزة التي تُذكِّر الجميع بأن ما يجمع هذه الدول أكبر بكثير من مجرد اتفاقيات. لقد كانت الحضارات التي انطلقت من هذه المنطقة شاهدة على الإبداع الإنساني في أسمى صوره وها هي تعود لتكون مصدر إلهام جديد.  

وسط عالم مضطرب تبدو هذه الشراكة وكأنها شعلة أمل. إنها رسالة بأن التعاون ليس ضعفا، بل قوة. في وقت تسود فيه الانقسامات والصراعات تُثبت مصر واليونان وقبرص أن العمل المشترك هو الطريق الوحيد لمواجهة التحديات الكبرى، من التغير المناخي إلى ضمان أمن الطاقة.  

المثير للإعجاب في هذه الشراكة هو قدرتها على تحويل التحديات إلى فرص. الموارد الطبيعية في شرق المتوسط التي كانت في وقت من الأوقات سببًا للتوترات أصبحت الآن أساسا لتعاون يُعزز الاستقرار الإقليمي. كذلك تُقدم مشروعات الربط الكهربائي نموذجا يُظهر كيف يمكن لتوظيف التكنولوجيا أن يُقرِّب المسافات بين القارات.  

هذا التحالف لا يخاطب الحاضر فقط بل يفتح نافذة على المستقبل. فهو يدعو إلى التفكير في كيفية تحويل العلاقات بين الدول إلى شراكات مستدامة تُحقق منفعة متبادلة للجميع. من خلال التخطيط المشترك، والعمل الجاد، والاستثمار في الإنسان قبل البنية التحتية، يبدو أن هذه الدول الثلاث قد وجدت مفتاح النجاح في عالم شديد التعقيد.  

ربما لا يشعر المواطن العادي يوميا بتأثير هذه القمم على حياته لكن انعكاساتها بعيدة المدى لا يمكن إنكارها. هذه التحالفات تُمهّد الطريق لفرص عمل، وتعزيز الأمن الغذائي والطاقة، وتوفير حياة أكثر استقرارا. إنها تُثبت أن الشراكات الحقيقية ليست مجرد كلمات على ورق ، بل واقع ملموس يلمس حياة الناس.  

في النهاية ما يجمع مصر واليونان وقبرص هو أكثر من مجرد تاريخ مشترك أو حدود جغرافية متقاربة. إنه إيمان مشترك بأن التعاون هو السبيل الوحيد لبناء مستقبل أفضل. هذه القمة التي قد يراها البعض مجرد لقاء دبلوماسي ، هي في الحقيقة نموذج يُحتذى به. نموذج يُظهر أن الإرادة السياسية عندما تلتقي برؤية استراتيجية قادرة على تحقيق المستحيل.  

شرق المتوسط لم يعد مجرد نقطة على الخريطة. إنه الآن مساحة لصناعة التاريخ وتقديم درس جديد للعالم: أن الوحدة ليست حلما بعيد المنال، بل حقيقة تُصنع بالإرادة والعمل المشترك.


اترك تعليقك

Top