لحظة التغيير .. من الهاوية إلى الأمل
كتب/شحاته زكريا
في لحظات فارقة من التاريخ تقف الأمم بين الماضي المثقل بالتجارب المؤلمة والمستقبل المليء بالتحديات والفرص. ما يحدث اليوم في سوريا يمثل واحدة من تلك اللحظات. بعد ثلاثة عشر عاما من الصراع الدموي والصراعات الدولية بالوكالة انقلبت المعادلة ، وانطوت صفحة من الاستبداد لتفتح صفحة جديدة من الأمل والحذر.
سوريا التي عانت من الحصار العقوبات والانقسام الاجتماعي، تجد نفسها الآن أمام مرحلة انتقالية قد تكون الأكثر حساسية في تاريخها الحديث. سقوط النظام لم يكن نتيجة معارك طاحنة، بل نتاج توافقات دولية وإقليمية دقيقة ، وتراجع إرادة القتال لدى الجيش السوري المنهك. هذا التغيير لم يكن وليد صدفة ؛ بل هو انعكاس لضغوطات متراكمة وتحولات كبرى في موازين القوى الدولية.
ما يلفت النظر في هذه اللحظة هو التوازن الدقيق الذي تم تحقيقه. الجيش لم يواجه بقوة ، الفصائل المسلحة تصرفت بانضباط غير مسبوق، وروسيا، رغم كل التناقضات، ساهمت في جعل الانتقال أقل عنفا. حتى إيران التي كانت تعد أحد أكبر داعمي النظام قررت الانسحاب بواقعية. هذا التحول المدروس يمنح بصيص أمل لسوريا التي دُمرت بنيتها التحتية والاجتماعية على مدار سنوات.
ورغم هذا الأمل فإن المخاوف لا تزال قائمة. العقوبات الاقتصادية قد تستمر ، مما يعني استمرار معاناة الشعب. المظالم التي خلفتها سنوات الصراع تحتاج إلى حلول حكيمة لتجنب دوامة الانتقام. كما أن التدخلات الخارجية ، سواء الإقليمية أو الدولية، لا تزال تُلقي بظلالها على المشهد.
على الصعيد الداخلي ، تبقى المهمة الكبرى هي إعادة بناء الثقة بين مكونات المجتمع السوري. التحدي الحقيقي يكمن في تجاوز الانقسامات الإثنية والطائفية وإرساء دعائم دولة حديثة تحترم جميع مواطنيها. إعادة النازحين واللاجئين توفير الخدمات الأساسية ، واستعادة العملة الوطنية ، كلها تحديات يجب مواجهتها بحكمة وشجاعة.
أما على الصعيد الإقليمي والدولي فإن سوريا بحاجة إلى دعم حقيقي للتعافي الاقتصادي والاجتماعي. إلغاء العقوبات إعادة الإعمار ، وإيجاد حلول سياسية مستدامة ستكون عوامل حاسمة لتجاوز هذه المرحلة. الدول الكبرى التي كانت طرفًا في الصراع ، عليها الآن أن تتحمل مسؤولية دعم السلام والتنمية في سوريا.
الشعب السوري اليوم يعيش بين فرحة الخلاص من الاستبداد والخوف من المستقبل. ومع ذلك تبقى الحقيقة واضحة: التغيير قد حدث ، والفرصة متاحة لبناء سوريا جديدة. الأمل وحده لا يكفي لكن الحذر والعمل الجاد يمكن أن يصنعا الفارق. سوريا تستحق أن تكون نموذجا للنهضة بعد الانكسار ودولة لكل مواطنيها لا لطائفة أو فصيل بعينه..
اترك تعليقك