كتب/شحاته زكريا
في ظل عالم يتسم بالتحولات الجذرية والصراعات المتشابكة ، تبرز مصر كقوة دافعة للتوازن والاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي. قمة الدول الثماني النامية التي تستضيفها القاهرة ليست مجرد حدث سياسي عابر بل تمثل تأكيدا على موقع مصر المركزي كجسر للتواصل بين الشمال والجنوب ، وكقاعدة أساسية لرسم ملامح النظام العالمي الجديد.
توقيت انعقاد القمة يأتي في لحظة شديدة الحساسية، حيث تعج الساحة الدولية بأزمات معقدة ، من تصعيد النزاعات في الشرق الأوسط إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، التي لم تعد آثارها حكرا على القارة الأوروبية بل امتدت لتعيد تشكيل خرائط الاقتصاد والسياسة العالمية. وسط هذه الفوضى ، تظل مصر ملتزمة بلعب دورها المحوري ، سواء من خلال مساعيها لوقف التصعيد في غزة ، أو استراتيجيتها بعيدة المدى لتحقيق التنمية المستدامة في الجنوب العالمي.
الاستضافة المصرية للقمة تحمل دلالات تتجاوز أبعادها التقليدية. فالقاهرة ، التي لطالما عُرفت بأنها قلب العالم العربي باتت في السنوات الأخيرة منصة رئيسية للحوار الدولي. السياسة الخارجية المصرية تسير وفق نهج يجمع بين المرونة والثبات ، ما يجعلها قادرة على التواصل مع أطراف متباينة المصالح ، من القوى الغربية الكبرى إلى الدول النامية الباحثة عن موقع أكثر إنصافا في النظام الدولي.
ولم يكن اختيار مصر لرئاسة قمة الثماني النامية صدفة؛ بل يعكس نجاحها في تقديم نموذج تنموي فريد رغم التحديات. فمنذ سنوات قليلة فقط ، كانت مصر تكافح للعبور من أتون الفوضى التي اجتاحت المنطقة. واليوم تتحول إلى أحد اللاعبين المؤثرين عالميا ، سواء عبر عضويتها في مجموعة "بريكس" أو حضورها المتكرر في قمة العشرين ما يعكس ثقة المجتمع الدولي في قدرتها على المساهمة في صياغة حلول للقضايا الأكثر تعقيدًا.
لكن الدور المصري لا يقتصر على السياسة أو الاقتصاد فقط. بل يتجاوز ذلك إلى تقديم مبادرات مبتكرة تسعى لتحقيق التكامل بين دول الجنوب خاصة تلك التي تجمعها تحديات مشابهة مثل الفقر، والتغير المناخي، وأزمات الطاقة. مصر تتحدث اليوم باسم الجنوب النامي، مستفيدة من عمق تجربتها في بناء شراكات إقليمية ودولية ، أبرزها مع اليونان وقبرص في مجال الغاز الطبيعي ، أو تحالفها الثلاثي مع الأردن والعراق لتعزيز التكامل الاقتصادي.
على الساحة الدولية تسعى القاهرة لتقديم رؤية بديلة تقوم على تعزيز التعاون متعدد الأطراف بدلا من الهيمنة أو الانعزال. هذا النهج يضعها في موقع مختلف عن القوى الكبرى التي كثيرا ما تفرض رؤاها دون اعتبار لاحتياجات الدول النامية. مصر على العكس تسعى لتوحيد الصفوف وإعادة تعريف معايير الشراكة على أساس التكافؤ والمصلحة المشتركة.
وفي النهاية لا يمكن قراءة الحضور المصري في قمة الثماني النامية بمعزل عن الصورة الأكبر. مصر التي تحمل إرثا حضاريا يمتد لآلاف السنين تنظر إلى المستقبل برؤية واضحة. دورها كجسر بين الشمال والجنوب ليس مجرد انعكاس لموقعها الجغرافي ، بل ترجمة عملية لسياسة شاملة تجمع بين المصالح الوطنية والأهداف الإنسانية. إنها تجربة تستحق أن تدرس وتلهم الكثيرين في عالم يتغير بسرعة لا تسمح بالجمود.
اترك تعليقك