كتب /شحاته زكريا
في ظل التحولات الجذرية التي يشهدها عالمنا العربي ومع تصاعد التحديات التي تهدد الاستقرار وتستهدف الهوية ، لم تعد معركة الوعي خيارا بل أصبحت ضرورة وجودية لا غنى عنها. نحن في مواجهة مخططات خبيثة تُدار بأيدي قوى عالمية تسعى للهيمنة والسيطرة دون اكتراث بالقيم الإنسانية أو العدالة. هذه القوى التي ترفع شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، تُمارس نقيضها تماما مستغلة ضعف الدول وتشتت الشعوب لتحقيق أطماعها.
ما يحدث في غزة على سبيل المثال ، ليس مجرد أزمة سياسية أو عسكرية؛ إنه نموذج صارخ للجريمة المنظمة ضد الإنسانية. فالقتل المنهجي، والتجويع، والحصار الممنهج ليست إلا أدوات تهدف إلى تهجير الفلسطينيين قسرا، وفرض واقع جديد يُكرّس الفصل العنصري والتطهير العرقي. هذه الجرائم تُرتكب أمام أنظار العالم، وبدعم صريح أو ضمني من قوى كبرى تتشدق بالديمقراطية، لكنها في الواقع تتواطأ مع الاحتلال لتحقيق مصالحها الاستراتيجية.
معركة الوعي تبدأ من هنا: من إدراك الشعوب أن ما يُحاك ضدها ليس مجرد نزاعات عابرة بل هو محاولة مستمرة لتفكيك مجتمعاتها ونهب مواردها وتدمير إرادتها. يجب أن يكون الوعي جماعيا متجذرًا في فهم أعمق للأحداث، ومنطلقا من رفض الانقياد للأجندات الخارجية أو الانصياع للأخبار المضللة التي تروّجها وسائل الإعلام المنحازة.
إن صناعة الوعي تحتاج إلى وسائل عدة: ثقافة تقرأ الواقع بعين ناقدة، وتعليم يبني الإنسان الواعي القادر على التمييز بين الحقيقة والزيف ، وإعلام يخدم القضايا الوطنية بدلا من أن يكون أداة للتضليل. فالتغيير يبدأ من الداخل، من إيماننا بأن لنا الحق في الحرية والكرامة والعيش الكريم وأننا قادرون على مواجهة التحديات مهما عظمت.
الأخطر في هذه المرحلة هو فقدان الثقة بين الشعوب وقياداتها، أو الانشغال بصراعات داخلية تُضعف الجبهة الأمامية في مواجهة المؤامرات الخارجية. الوحدة لم تعد مجرد مطلب مثالي بل ضرورة استراتيجية لصد هذه المخططات التي لا تفرق بين دولة وأخرى ، ولا بين طائفة وأخرى.
لقد أثبت التاريخ أن الأمم التي تنتصر ليست بالضرورة الأقوى عسكريًا أو اقتصاديًا، بل تلك التي تمتلك الوعي بواقعها وتاريخها ومستقبلها. الوعي هو الحصن الذي يحمي الشعوب من الوقوع في فخاخ الهيمنة والتبعية. لذلك، علينا أن نغرسه في الأجيال القادمة كجزء من هويتنا، وأن نُعيد تشكيل خطابنا الثقافي والإعلامي والتعليمي بما يعزز هذا الهدف.
في النهاية معركة الوعي ليست حربا قصيرة الأمد ، بل صراع مستمر بين الحق والباطل، بين العدالة والاستبداد، وبين الحرية والعبودية. وكلما كان وعي الشعوب حاضرًا ومتماسكًا، كانت قدرتها على الصمود أكبر وكان انتصارها حتميًا، مهما كانت التحديات.
اترك تعليقك