الأخبار العاجلة
  • الأحد, 22 ديسمبر 2024
أخبار السياسة و الطاقة
  • رئيس مجلس الإدارة و التحرير
    خالد حسين البيومى
ملف الطاقة الإفريقى .. ومحاولات رسم طريق جديد
الثلاثاء 13 أغسطس 2024 03:16 م

ملف الطاقة الإفريقي.. ومحاولات "رسم" طريق جديد

تقرير/نشوة نشأت 

المدير العام لمركز سيف بن هلال لدراسات وأبحاث علوم الطاقة .

يعتبر التنوع في مصادر الطاقة والتوسع فيها مفتاح التنمية الشاملة وأساس التصنيع في إفريقيا؛ حيث تتمتع القارة بإمكانية التركيز على مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة المائية، والكتلة الحيوية، والطاقة الشمسية، بالإضافة إلى الطاقة الحرارية الأرضية لتوفير الطاقة الكهربائية الكافية للمواطنين، وهنا نجد أن رؤساء الدول والحكومات الأفارقة قد وضعوا خارطة طريق لتحقيق النمو والتنمية الشاملين والمستدامين، وذلك من خلال العمل على تنفيذ الهدف السابع من خطة التنمية المستدامة لعام 2030، والذي يتمثل في "الحصول على طاقة ميسورة التكلفة، وموثوقة ومستدامة للجميع".

وفي الوقت نفسه، يعمل القادة الأفارقة على تسريع تبني حلول الطاقة النظيفة بما يتماشى مع أجندة 2063 للاتحاد الإفريقي، فعلى سبيل المثال تعمل دول إفريقية- مثل: مصر وإثيوبيا وكينيا والمغرب وجنوب إفريقيا- بشكل تدريجي على توجيه جهود الطاقة المتجددة، كما وضعت دول إفريقية أخرى- مثل كاب فيردي وجيبوتي ورواندا- أهدافًا طموحة للطاقة المتجددة، والجدير بالذكر أن دولاً إفريقية أخرى تحذو حذوها، ويتم اعتماد الطاقة المتجددة بشكل تدريجي في جميع أنحاء القارة.

ويذكر أن إمكانيات الطاقة الشمسية في إفريقيا تبلغ 40% من إجمالي العالم (665,000 تيراوات/ الساعة/ السنة)، و32% من إجمالي طاقة الرياح في العالم (67,000 تيراوات/ الساعة/ السنة)، و12% من إجمالي الطاقة الكهرومائية في العالم (330 جيجاوات). فإفريقيا بمثابة ذلك تعتبر "مخزنًا" استراتيجيًّا عالميًّا للطاقة.

ويمكن بيان أهم مشاريع الطاقة المتجددة في إفريقيا على النحو التالي: 
مشروع الهيدروجين الأخضر في ناميبيا: 
تبلغ تكلفته حوالي 9.4 مليار دولار، وقد وضعت الشركة المنفذة له عام 2022 جدولاً زمنيًّا مدته 40 عامًا لإنشاء وتشغيل المشروع، وسيدخل المشروع في حيز الإنتاج عام 2026، وسيبدأ المشروع بإنتاج 2 جيجاوات من الكهرباء المتجددة، ومع التوسع في الإنتاج ستزداد السعة إلى 5 جيجاوات.

محطة Chollet للطاقة الكهرومائية: 
في 12 إبريل 2021، وقعت الكونغو والكاميرون اتفاقية امتياز مع شركة China Gezhouba Group  لبناء محطة كهرومائية بقيمة 700 مليون دولار على نهر دجا، ومع قدرة إنتاجية تقدر بـ600 ميجاوات، ومن المتوقع اكتمال المشروع في عام 2025، وسيمكن المشروع من إنتاج الكهرباء لكل من الكونغو والكاميرون.

محطات الطاقة الشمسية في جمهورية الكونغو الديمقراطية:
وقعت شركة الكهرباء المملوكة للدولة في جمهورية الكونغو الديمقراطية اتفاقيات شراء الطاقة لمحطتين للطاقة الشمسية في منطقة حزام النحاس في البلاد، وتقع محطتا الطاقة الشمسية في بلدة كولويزي وليكاسي، وبقدرة 100 ميجاوات لكل منهما، وستكلف محطتا الطاقة الشمسية 148 مليون دولار و157 مليون دولار على التوالي.

 

محطة موجالاكوينا للطاقة الشمسية:
في عام 2022 تم الاتفاق على بناء محطة للطاقة الشمسية الكهروضوئية بقدرة 100 ميجاوات في منجم موجالاكوينا في جنوب إفريقيا، وتشكل محطة الطاقة الشمسية جزءًا من استراتيجية الدولة الأوسع لدمج الطاقة المتجددة مع عمليات التعدين، وستساهم في حياد الكربون في المنجم مع تعزيز الكفاءة التشغيلية.

مشروع شمبا للطاقة الشمسية:
قامت شركة Shumba Energy  عام 2022 باستثمارات يبلغ مجموعها 950 ألف دولار أمريكي في مشروع الشركة للطاقة الشمسية والذي تبلغ تكلفته 80 مليون دولار، بطاقة 100 ميجاوات في بوتسوانا، مع التمويل الكامل المتوقع بحلول الربع الثاني من عام 2022، وسيمثل المشروع الأكبر في بوتسوانا، وهي خطوة مهمة في تحول الشركة من الاستثمار في الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة.

إنشاء 8 محطات شمسية في غانا:
أعلنت حكومة غانا عام 2022 عن خطط لبناء ثماني محطات للطاقة الشمسية في غانا.

في مصر: حدد المجلس الأعلى للطاقة هدفًا ضخمًا تمثل في رفع نسبة مساهمة الطاقة المتجددة في تلبية الطلب الإجمالي إلى 20% بحلول 2030، وتعمل الحكومة المصرية جاهدة لزيادة الاستثمارات في قطاع النفط والغاز، مع السعي لتنويع مصادر الطاقة، وقد كثفت الدولة المصرية من جهودها منذ 2014 لتوليد واستخدام المزيد من الطاقة المتجددة من أجل التغلب على ما يكتنف الطاقة من صعوبات متزايدة؛ حيث استهدفت توليد 20% من الطاقة في البلاد من مصادر متجددة بحلول عام 2030. 

وفي هذا الإطار، نفذت مصر عدة مشاريع لإنتاج الطاقة الشمسية ومنها المحطة الشمسية الحرارية بالكريمات، ومجمع بنبان الشمسي للخلايا الفوتوفولتية بقدرة 1465 ميجاوات، ومحطة الخلايا الفوتوفلتية بكوم أمبو بقدرة 26 ميجاوات بالتعاون مع الوكالة الفرنسية للتنمية، ومحطات خلايا فوتوفولتية موزعة متصلة بالشبكة بنظام صافي القياس بقدرة 100 ميجاوات، ومحطات خلايا فوتوفولتية لامركزية منفصلة عن الشبكة بقدرة 32 ميجاوات، كما أن هناك محطات تحت الإعداد (أكثر من 1170 ميجا وات).

وقامت مصر بتنفيذ عدة مشاريع لإنتاج طاقة الرياح، ومنها مزرعة رياح الزعفرانة (545 ميجاوات)، ومزرعة رياح جبل الزيت (580 ميجاوات)، ومحطة رياح قطاع خاص بخليج السويس بقدرة (250 ميجاوات)، ومحطات تحت الإعداد (أكثر من 2400 ميجاوات).

وفي ملف الهيدروجين الأخضر، وافق المجلس الأعلى للطاقة في فبراير 2024 على استراتيجية الهيدروجين منخفض الكربون الوطنية، والتي تتمتع برؤية مفادها أن: "مصر ستكون واحدة من الدول الرائدة عالميًّا في اقتصاد الهيدروجين منخفض الكربون".

ولكن بالرغم من مشاريع الطاقة المتجددة الناجحة بالقارة الإفريقية، فإن هناك تحديات جمة تجابه هذا الملف:
 أولها: لا يزال النطاق الإجمالي لمصادر الطاقة المتجددة في إفريقيا صغيرًا جدًّا؛ حيث يهيمن توليد الوقود الأحفوري على مزيج توليد الطاقة الحالي في إفريقيا، وكان هناك تحول أكثر حداثة في مزيج الطاقة المتجددة من خلال تسريع تقنيات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لكنها لا تزال صغيرة عند 1.6%. 
وتشير الدراسات إلى أن تحول إفريقيا نحو نظم الطاقة المتجددة بعيدًا عن الوقود الأحفوري يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع إجمالي الناتج المحلي بنسبة تُقدر بـ6.4%، وتزايد فرص التوظيف على مستوى القارة بنسبة تبلغ 3.5% وتحسن مؤشر الرفاهية بدول القارة بنحو 25.4% بحلول عام 2050.

ثانيها: تفاقم أزمة الكهرباء في عدة دول إفريقية، وفي هذا الإطار، أشار تقرير- بعنوان "تمويل الطاقة النظيفة في إفريقيا" صادر عن وكالة الطاقة الدولية في شهر نوفمبر 2023 - إلى أن هناك أكثر من 40% من سكان إفريقيا يعيشون بدون كهرباء، و70% بدون إمكانية الحصول على وقود طهي نظيف. وبحسب الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، فإنه من المتوقع أن يضاعف النمو السكاني والاقتصادات الآخذة في التوسع في الطلب على الكهرباء في إفريقيا بحلول عام 2040.

ووفقًا لبيانات البنك الدولي، فإن هناك ما يقرب من 760 مليون شخص في القارة الإفريقية من أصل (1.373) مليار نسمة عام 2021 لا يحصلون على الكهرباء، وهذا يعني أن أقل من نصف سكان إفريقيا يحصلون على الكهرباء، ويعيش معظم هؤلاء الأشخاص في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، كما أن ثلثي الشبكات الموجودة في إفريقيا تعتبر غير موثوقة؛ وبالتالي نجد أن عدم القدرة على الحصول على الكهرباء هو أحد التحديات التي تواجهها إفريقيا، كما أنه إحدى أهم العقبات التي تعترض التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتشير البيانات إلى أن قدرة توليد الطاقة الكهربائية لمعظم البلدان الإفريقية تبلغ حوالي 28 جيجاوات، وتنتج دولة جنوب إفريقيا حوالي 39 جيجاوات من الكهرباء، وهي أعلى نسبة في أي دولة إفريقية.

ثالثها: تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية بالقارة الإفريقية.

رابعها: ارتفاع معدلات البطالة؛ حيث يعيش حوالي 400 مليون شخص في إفريقيا جنوب الصحراء في فقر مدقع، وقد بلغت نسبة البطالة 6.7% في عام 2022.

خامسها: الصراعات التي تعاني منها بعض دول القارة.

وفي ضوء ما سبق، نجد أنه بغية نجاح إفريقيا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالطاقة، فإنها ستحتاج إلى مضاعفة قدرتها على التوليد بحلول عام 2030 ومضاعفة خمسة أضعاف بحلول عام 2050، وستعتمد الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لتلبية هذا الطلب على السياسات التي تضعها الحكومات الإفريقية لمواجهة التحديين التاليين:

1 - ضمان حصول الجميع بتكلفة ميسورة على طاقة حديثة وموثوقة ومستدامة بحلول عام 2030، فالحصول المستدام والآمن على الكهرباء في مواجهة الطلب المتزايد يتعلق بأكثر من مجرد تقسيم الأسر إلى من لديهم أو ليس لديهم توصيل للكهرباء، إنه يتعلق أيضًا بإمداد كافٍ وموثوق به يدعم الاستخدامات الإنتاجية ويخلق فرص العمل.

2 - تسخير الطاقة المتجددة من أجل تحقيق أهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية بجانب التخفيف من تغير المناخ، وستحتاج البلدان التي يهيمن فيها الوقود الأحفوري حاليًّا على مزيج الكهرباء إلى الانتقال نحو اعتماد تقنيات الطاقة المتجددة والتخلص التدريجي من قدرة التوليد القائمة على الوقود الأحفوري.

 

ونهاية، فإنه يتطلب تسريع التحول نحو الطاقة المتجددة، بجانب تنفيذ أهداف التنمية المستدامة وجعل هذه الأهداف الطموحة عدة نقاط محورية وأساسية، وهي: إرادة سياسية، وخلق بيئة تشريعية وتنظيمية ومؤسسية مواتية لاستخدام الطاقة المتجددة، وزيادة التكامل الإقليمي، وتنفيذ سياسات تحسين قطاع الطاقة؛ لتكون جزءًا من أي مبادرة سياسية لدعم القضاء على فقر الطاقة وتحقيق تنمية منخفضة الكربون لقطاعات الكهرباء الإفريقية بحلول عام 2050، ولضمان النجاح والاستدامة، يجب أن يكون هناك انتقال عادل للطاقة بما يضمن تحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية واسعة، ويعد بناء القدرة المؤسسية لتطوير وتنفيذ السياسات الوطنية- من أجل الحصول الشامل على الكهرباء مع متابعة التنمية منخفضة الكربون لقطاعات الطاقة في إفريقيا- أولوية شاملة في جميع مراحل تحول الطاقة.

ويتطلب الانتقال الشامل للطاقة المتجددة في القارة مبادرات أوسع وأكثر تضافرًا بين الدول الإفريقية، فضلاً عن جمع الخبرات عند تنفيذ مجموعة متنوعة من مشروعات الطاقة المتجددة، وزيادة التعاون بين كافة الدول والتجمعات الإقليمية، من خلال نقل التكنولوجيا وتبادل الخبرات وتعزيز الأسواق الإقليمية، والعمل على تنفيذ توصيات مؤتمر الأطراف COP28  الذي اختتم باتفاقية تشير إلى بداية انتهاء عصر الوقود الأحفوري، من خلال تمهيد الطريق لانتقال سريع وعادل ومنصف، مدعوم بخفض كبير للانبعاثات الكربونية وزيادة التمويل، على النحو الذي يكفل وضع نظام الطاقة الإفريقي على طريق جديد، ويضمن التحول نحو "الاقتصاد الأخضر".


اترك تعليقك

Top