الأخبار العاجلة
  • الخميس, 05 ديسمبر 2024
أخبار السياسة و الطاقة
  • رئيس مجلس الإدارة و التحرير
    خالد حسين البيومى
“أنوثة تحت الرماد” خربشات هاله المغاورى فيينا
الاثنين 21 أكتوبر 2024 10:49 م

كانت الحياة في بيت صباح تسير كعادتها الرتيبة، حتى ذلك اليوم. كانت تشعر أن الأيام تشبه بعضها، و”سامر” بجانبها دائمًا كظلٍّ، لا يفارقها منذ أن تزوجا. لم يكن حبًا عظيمًا، لكنه كان كافيًا لتكوين عائلة. لكن في لحظة لم تكن تتوقعها ، انقلبت حياتها رأسًا على عقب.. سامر سقط أرضًا دون سابق إنذار. لا علة، لا شكوى. مجرد لحظة، وسحب الموت روحًا كان معها طوال الطريق. لا عاصفة، لا دموع، فقط صمت خانق كالسيف اخترق حياتها، تاركًا إياها في فراغ قاتل.
الناس توافدوا، الكل قدم كلمات العزاء. ومرت الأيام بطيئة، طويلة، وهي في دوامة من الغياب. فقدت صباح توازنها، لم تعد تجد معنى لما حولها. حتى أولادها، رغم قربهم، لم يستطيعوا سد فجوة الوحدة التي باتت تتسع يوماً بعد يوم.
بعد أشهر من وفاة سامر، خرجت صباح في يومٍ لا تدري لماذا اختارته . كانت تسير في أحد شوارع المدينة، تائهة بين ضجيج الناس وصمت مشاعرها. على غير عادتها، دخلت مقهى صغيرًا كان دائمًا ما يلفت نظرها، لكنه لم يكن يومًا مكانًا لامرأة مثلها. جلست في الزاوية، طلبت فنجان قهوة. كانت تتطلع حولها بعيون غارقة في عالم آخر، إلى أن لاحظته.
كان الشاب جالسًا على طاولة قريبة، يبدو عليه الانشغال بكتابة شيء في دفتر متهالك. كان وجهه مليئًا بالقلق والتوتر. جذبها شيء غريب في ملامحه، ربما شبابه الذي يفتقد الاستقرار، أو ربما الطريقة التي كان يتطلع بها إلى دفتره وكأن العالم خارجه لا يهم .
لم تمض لحظات، حتى تجمع بينهما لقاء غير متوقع. كان يتحدث مع النادل عن فرصة عمل ضاعت منه، بينما كانت هي تستمع. شعرت بشيء في داخله يشبه ما تمر به، فقدانٌ مختلف لكنه عميق. تطلعت إليه للحظة أطول من اللازم. عندما تقابلت أعينهما، شعرت بشرارة لم تشعر بها منذ سنوات. اقترب الشاب من طاولتها عندما لاحظ نظرتها، وبدأ الحديث.
كان ذلك اللقاء بدايةً لعالم جديد. الشاب، الذي يدعى “كريم”، كان يبحث عن عمل وعن ذاته، وكانت هي تبحث عن حياة جديدة. تكررت اللقاءات، وفي كل مرة كانت صباح تجد نفسها تنجذب إليه بشكل أكبر، ليس لأنه يعوضها عن سامر، بل لأنه يمثل الحلم الذي دفنته لسنوات. وجد الاثنان شيئًا من الأمان في بعضهما، علاقة تتسم بالغرابة والشغف في آن واحد.
لكن الرياح لا تأتى دائماً بما تشتهى السفن ، فقد اكتشف أبناؤها علاقتها بكريم، تفجر الغضب في البيت. رفضوا هذا التحول الصادم في حياة أمهم. “كيف يمكن أن تحبي شاباً يصغرك بعشرين عامًا؟ كيف يمكن أن تنسي أبي بهذه السرعة؟”. كان صوتهم يرتجف بين الصدمة والغضب. لكن صباح، التي كانت طيلة حياتها تضع الآخرين في المقام الأول، لم تعبأ هذه المرة.
“أنا أمكم، نعم، لكني امرأة أيضًا. أنا لم أعش لنفسي يومًا، وهذه المرة لن أعود إلى تلك الحياة الميتة”. كان موقفها ثابتًا كالجدار أمام انهياراتهم. أصرت صباح على أنها لن تتراجع عن علاقتها مع كريم، لأنها للمرة الأولى تشعر بأنها تحيا فعلاً.
لكن التوتر بين صباح وأبنائها يزداد. وعلاقتها بكريم كانت تتأرجح بين الحب والحيرة، ومع مرور الأيام، بدأت العلاقة بين صباح وكريم تأخذ منحنى آخر . كريم، الذي كان يعيش حالة من الانجذاب لشخصيتها القوية وتجربتها المختلفة، بدأ يشعر بثقل الفجوة العمرية والضغوط الاجتماعية بينهما. صباح بدورها، رغم تمسكها بحبها الجديد، بدأت تدرك أن الشغف الذي جمعهما قد لا يكون كافيًا لصنع مستقبل مشترك.
في ليلة هادئة، جلسا معًا يتحدثان بصراحة لأول مرة. كريم اعترف بأنه لا يستطيع الاستمرار في علاقة يطغى عليها الرفض من كل جانب، وأنه بحاجة إلى حياة تناسب مرحلته. صباح، التي عاشت كل لحظة في علاقتها معه بعمق، لم تتفاجأ. أدركت أن هذا الفصل من حياتها كان ضروريًا لتكتشف ذاتها، لكنه ليس بالضرورة الفصل الأخير.
افترقا بهدوء، دون خصام أو مرارة. وعادت صباح إلى بيتها، أكثر قوة ووعيًا بنفسها. هذه المرة لم تكن بحاجة للعودة إلى حياتها القديمة بالكامل، لكن أيضًا لم تعد تلك المرأة التي تضحي بكل شيء من أجل الآخرين. أصبحت متصالحة مع أنوثتها، مكتفية بذاتها، ومهيأة لمواجهة المستقبل بروح جديدة، تاركة النهاية مفتوحة لما قد يأتي.


اترك تعليقك

Top