“الوَبَا”: الناموس وأكبر مذبحة في تاريح المصريين
في عام ١٩٤٢، شهدت مصر محنة عظيمة وفقًا لكتاب “حكم الخبراء” للبروفيسور تيموثي ميتشل- أحد أهم الباحثين في دراسات الاستعمار وشؤون الشرق الأوسط. في تلك السنة كانت مصر على أعتاب الاجتياح النازي من القوات الألمانية التي تخوض معركة شرسة في العلمين مع القوات الإنجليزية المحتلة. تلك المعركة الشرسة وضعت مصر في بؤرة الصراع العالمي في الحرب العالمية الثانية، والتي ندفع ثمنها حتى الآن بسبب الألغام المتروكة في شمال غرب البلاد، والتي تسببت في المئات من القتلى والمصابين الذين خسروا أجزاء من أجسادهم. هذه المعركة تطلبت خزين البلد من طعام وشراب ودواء للقوات الأجنبية المحاربة. في الوقت نفسه تقريبًا، دخل الحدود المصرية الجنوبية ناموس محمل بمرض “الملاريا” اللعين. هبط الناموس على أجساد أجدادنا وأهلنا في صعيد مصر كقنبلة بيولوجية عصفت بحياة المئات في أسبوعها الأول. يقول ميتشل إن مشروع سد أسوان قد غير من طبيعة أراضي مصر الزراعية في الجنوب، والتي كانت تشكل حائطًا طبيعيًا – قبل السد- لصد الأوبئة. السد وزراعة قصب السكر تحديدًا سهلا عملية استيطان الناموس، وبدأ يهلك حياة المصريين في الوقت نفسه الذي يواجهون فيه المجاعة ونقص الدواء بسبب سياسات الإنجليز. يقول ميتشل إن الوباء قضى على حوالي ٢٥٠ ألف مصري وتسبب في عدوى ٧٥٠ ألفًا آخرين في سنته الأولى، مما تسبب في غضب حكومي وشعبي بالذات، وأن الأخبار عن التصدي لهذا المرض في البرازيل قد وصلت إلى مصر. ولأن العلاج وآليات التصدي في البرازيل كانت تابعة لمشروع أمريكي، رفضت بريطانيا عروض الولايات المتحدة في مساعدة المصريين خوفًا من سقوط المستعمرة المصرية للأمريكان. نعم عزيزي القارئ، أجدادنا ماتوا هباءً من أجل محاولة الإنجليز السيطرة على رَبع من ربوع الأرض. عدد سكان مصر في ذلك الوقت كان ١٧ مليون تقريبًا، والوباء هدد حياة مليون منهم في أول سنة، فما كان من الاحتلال إلا أن أمر وزارة الصحة بالتوقف عن تدوين عدد الضحايا، وفقًا لميتشل. وبقي الوضع هكذا حتى أصيب البريطانيون أنفسهم بهذا المرض فلجأ المحتل أخيرًا للولايات المتحدة للقضاء على هذا الوباء
اترك تعليقك