كان المطار يعجّ بالحركة، والأصوات تتعالى في أرجائه، تنبض بالحياة والأمل، بينما كانت هي تقف هناك، تحمل تذكرتها بين يديها وكأنها تُمسك بمفتاح الجنة. قلبها يضجّ فرحًا بانتظار رحلة طالما اشتاقت إليها؛ إلى بقعة مقدسة حلمت بزيارتها منذ سنوات، إلى لحظة تقف فيها أمام الكعبة، تغسل روحها بفيض الطمأنينة. منذ عام وهي تترقب هذه الرحلة بعد حصولها على التأشيرة، التي منحتها الأمل بأن تطأ قدماها أرض الحرم في أي وقت تشاء.
لكن الحياة لا تمضي دائمًا كما نخطط. قبل أشهر، وبينما كانت مهيأة للسفر، أغلق العالم أبوابه، ووقفت رحلتها في منتصف الطريق بسبب اجتياح فيروس كورونا. انتظرت بصبر وأمل، حتى جاء الخبر المنتظر: المملكة العربية السعودية تفتح أبوابها للمعتمرين من الخارج.
استجمعت قواها، واتصلت بالجهات المسؤولة للتأكد من صلاحية تأشيرتها. وجاء الرد بالموافقة. لم تتردد لحظة، أسرعت في تجهيز كل شيء؛ حجزت الفندق في مكة، وأجرت فحص كورونا الذي جاء سلبياً، ووضعت الحقائب في السيارة، متوجهة إلى المطار بكل الشوق الذي ملأ قلبها.
لحظات قليلة كانت تفصلها عن الرحلة، لكن عند بوابة الصعود، وقف الموظف ليقول لها بجفاء: “عذرًا، لا يمكنك السفر”. تجمدت الكلمات على شفتيها، وعيناها تبحثان في وجهه عن تفسير لما قال. “تأشيرتك سياحية”، قال بصوت خافت لكنه حاسم، “والسعودية لا تسمح بدخول السياح في هذا الوقت”.
تحاول استيعاب كلماته، تستجمع أنفاسها المثقلة بصدمة غير متوقعة، وتقول: “لكن لديّ موافقة رسمية!”، إلا أن الموظف واصل ببرود: “لقد حاول شخص السفر قبل أيام بتأشيرة مشابهة، لكنه عاد من المطار. أنصحكِ بعدم المخاطرة”.
في تلك اللحظة، شعرت أن الزمن توقف. صوت المطار من حولها بدأ يبهت، كأن العالم أصبح صامتًا. وقفت في مكانها، تنظر إلى التذكرة بين يديها، وكأنها قطعة ورق لا قيمة لها بعد الآن. كان أبناؤها بجانبها، يحاولون تهدئتها، اقترحوا عليها أن تتصل مجددًا بالمسؤولين، فتعلقت ببصيص أمل أخير، واتصلت، لكن الرد جاء حاسمًا وباردًا؛ المملكة لا تسمح إلا بدخول المعتمرين بتأشيرة خاصة.
لم تستسلم، وقالت لنفسها، “سأحصل على تأشيرة عمرة إذن”. وبسرعة، بدأ ابنها في تقديم الطلبات اللازمة للحصول عليها لكى تلحق بطائرتها . قلبها يدق بترقب، تنتظر الموافقة التي ستفتح لها الباب من جديد. لكن، جاءت المفاجأة الأخيرة؛ طلبها رُفض لأن جواز سفرها سينتهي بعد ستة أشهر.
انطفأ الضوء الأخير في قلبها، شعرت أن كل شيء انهار. كأنها سقطت في هاوية عميقة، لا يملأها سوى ألم خانق. لم تستطع أن تعبّر لأبنائها عن ذلك الألم، فقد أصبح أقوى من الكلمات، شعور بالعجز والخسارة يختنق داخلها. عادت إلى البيت وقد ألغت كل الحجوزات، تحاول ترديد كلمات الصبر بإيمان وثبات ، لكى تجتاز الحزن الذى كان يطفو في قلبها كبحر لا حدود له، يجرف كل شيء في طريقه.
اترك تعليقك