الأخبار العاجلة
  • السبت, 11 مايو 2024
أخبار السياسة و الطاقة
  • رئيس مجلس الإدارة و التحرير
    خالد حسين البيومى
الإتصالات وتكنولوچيا المعلومات
السبت 12 مارس 2022 01:46 ص

الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات
في مائتي عام

د.م.سامى الحناوى

بادئ ذي بدء، عندما طلب منى كتابة موضوع عن الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات كنت في غاية السعادة متوسما الخير لسهولة كتابة شيء عن تخصصي الذي أعمل به منذ ما يقرب من نصف قرن الزمان، لأنني أعشق هذا التخصص منذ نعومة “أظافري".

 ولكن بمجرد التفكير في الكتابة، وإن كانت السعادة ماتزال قائمة، إلا أنني وجدت صعوبة بالغة في أن ألخص ما حدث في هذا المجال الذي بدأ منذ أكثر من مائتين من السنوات، ولكنه في عشرات الأعوام الأخيرة كانت سرعة تطوره فائقة وتعدد التطبيقات المختلفة المرتبطة به كان غير محدود، لدرجة أن ما درسته في المرحلة الجامعية يختلف كثيرا عما أقوم بتدريسه الآن أو أتعامل معه في التطبيقات الصناعية. لذلك أتمنى من القارئ الكريم العذر إن كان هناك عدم إسهاب في أحد عناصر الموضوع الكثيرة.

لقد ارتبط علم الاتصالات بعلم نظم وتكنولوجيا المعلومات ارتباطا شديدا وأصبحا علما واحدا وإن تعددت تفريعاته. بدأ الإنسان بالاتصال لنقل المعلومة من مكان لأخر بحركات الأيدي وكذلك باستخدام الحمام الزاجل في نقل الرسائل وكان أول اتصال كهربائي بما يسمى بالتلغراف... وكان ذلك في بداية القرن الثامن عشر ثم قننه العالم مورس (Morse) والذي بنى وطور كود أو شفرة من الإشارات الكهربائية لنقل الحروف الهجائية من مكان لآخر.

وبعد ذلك في الربع الأخير من القرن التاسع عشر استطاع العالم أليكسندر جراهام بل (Bell) في نقل الصوت بين نقطتين عبر الأسلاك الكهربائية. ثم تم البدء بعد ذلك مباشرة في استعمال التحويلة اليدوية لتوصيل مشترك بآخر واستمر ذلك حتى أيقن الحانوتي ستروجر (Strowger)  في عدم اتصال زبائن له لنقل موتاهم كما كان يحدث من قبل وكانت المفاجأة أنه اكتشف أن عاملة التحويلة يعمل زوجها أيضا كحانوتي فكان كل من يحاول الاتصال بستروجر كانت العاملة تحوله لزوجها.

وأمام ذلك كان رد فعل ستروجر عمليا وإيجابيا، فقرر أن يدرس العلم المتصل، واستطاع تصميم فكرة جديدة لعمل أول سنترال أوتوماتيكي حتى يستطيع زبائنه الاتصال به مباشرة وتبع ذلك بالطبع تحسين كبير في نظم السنترالات مع الوقت.

وواكب ذلك تقدم علم الموجات الكهرومغناطيسية إلى أن استطاع العالم ماركوني (Marconi)  أن يرسل إشارة لاسلكية لمسافة حوالي 30 كم. وفى نفس الحين أيضا دأب بعض علماء الرياضيات على محاولة توصيف الإشارات ليس فقط بالنسبة للزمن وإنما أيضا بالنسبة للذبذبات وكان أحد العلماء البارزين في هذه العلوم العالم الفرنسي فورييه (Fourier)  وكان ذلك أتناء الثورة الفرنسية حيث كان صديقا لنابليون، ولكن الأخير سجنه فيما بعد!

واستطاع العلماء بسبب التقدم في الموجات الكهرومغناطيسية وعلم الإشارات من إنشاء أول محطة راديو عام 1920 أي قبل حوالي قرنا من الآن. وسرعان ما ظهر التليفزيون بعد ذلك في عام 1936 واستمر تطوير وتحسين نظم شبكات الهاتف وبث البرامج الإذاعية والتليفزيونية.

وعندما بدأ إطلاق الأقمار الصناعية في نهاية خمسينات القرن الماضي، ركز علماء الاتصالات على كيفية استخدامها بديلا عن كابلات النحاس الأرضية، وساعد على ذلك السباق العلمي والتكنولوجي بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي المنحل.

وبدأ عصر الاتصال الفضائي في نهاية ستينات القرن الماضي، وأطلق المئات من الأقمار الصناعية، ولكي يقوم القمر بالاتصال يتم تثبيته في مدار فضائي مواز لخط الاستواء، ويدور حول الأرض على ارتفاع 36 ألف كيلومتر، دورة كل 24 ساعة بحيث يظهر لمكان على الأرض وكأنه ثابت في الفضاء.

وفي اتجاه علمي آخر بدأ بعض العلماء في تطوير حاسب آلي، وقاد هؤلاء العلماء العالم الفذ فون نيومان (Von Neumann) الذي استطاع إنشاء أول هيكلية لحاسب عرفت باسمه في منتصف خمسينات القرن الماضي، وما فعله هذا العالم هو محاكاة بعض أعضاء الإنسان في تكوين الأجهزة الكهربائية المتصلة ببعضها، مثل جهاز تخزين المعلومة والذى يعرف الآن تحت مسمى الذاكرة (memory) وكذلك جهاز للتفكير والحساب والذى يعرف الآن تحت مسمى المعالج (processor) وبالطبع كانت هناك مكونات أخرى في هيكلية فون نيومان ولكن المكونتين سابقتي الذكر كانتا الأهم.

وانشق من هذا العلم اتجاهان، الأول لتطوير هندسة الحاسب والثاني لتطوير علوم الحاسب. ونما هذان الاتجاهان نموا فائق السرعة، ساعد على نمو الأول اكتشاف الترنزيستور والذي اخترع أول نموذج منه العالم شوكلي (Shockley) وكان ذلك في أواخر أربعينات القرن الماضي، وسرعان ما تقدم علم الإلكترونيات وأشباه الموصلات (semiconductors) والذي أدى إلى تقليل أحجام الحاسب بنسبة فائقة مع الحصول على مزايا أخرى كثيرة من حيث سعة التخزين وسرعة المعالجة.

ومازلنا نرى حتى الآن هذه الثورة في صغر الحجم مع زيادة الإمكانات في وقت قصير للغاية. حتى أننا نجد الآن ملايين الوحدات من الترنزيستور فيما يسمى بالدوائر المتكاملة (integrated circuits) والتي لا تتعدى مساحتها في بعض الأحيان عن واحد ملليمتر مربع. ومع هذا التقدم السريع ظهرت أنظمة مدمجة في دائرة متكاملة واحدة تسمى نظام على الشريحة أو (system on a chip – SOC).

ومع التقدم العلمي ثلاثي الأبعاد سابق الذكر والذي يضم علم الاتصالات وعلم الإلكترونيات وعلم هندسة وعلوم الحاسب، نمت الحاجة إلى تواصل الحواسب مع بعضها لنقل المعلومات فيما بينها، فظهر علم جديد يسمى بعلم اتصالات الحاسب، وظهرت أول شبكة من شبكات الحاسب في بدايات سبعينات القرن الماضي، وكانت تتبع الجيش الأمريكي وسميت "أربانت" (Arpanet)، ولكنها قفزت قفزاتها السريعة في أواخر الثمانينات، حيث تم تطوير شبكة الإنترنت، والتي يستخدمها الآن مليارات من الناس على مستوى العالم.

وبما أن الغاية من عملية الاتصال هو نقل المعلومة والمعلومات، فقد اهتم علماء كثيرون بتقدير كم المعلومات، وكان أول هؤلاء العلماء العالم شانون (Shannon)، وذلك خلال أربعينات القرن الماضي، والذى وضع  مع آخرين ما تسمى بنظرية المعلومات (information theory)، ومن هنا تم التركيز باهتمام بالغ على التدقيق في المعلومة من ناحية كميتها وكيفية معالجتها وتخزينها وكذلك نقلها، ومن ثم ظهر علم جديد وهو علم تكنولوجيا المعلومات (information technology - IT) ، والذى تفرعت منه علوم وتقنيات عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر؛ تقنيات إنشاء قواعد البيانات (databases) وتقنيات إدارة المعلومات (information management) وعلم الذكاء الاصطناعي (artificial intelligence - AI)، والأخير يشهد الآن تطورا فائق السرعة ومن أمثلة هذا التقدم القدرة على الترجمة من لغة لأخرى وكذلك تحويل الكلام المنطوق إلى كلام مكتوب والعكس. ومن ثم يستطيع اثنان كل بلغته المختلفة عن الآخر أن يتحدثا معا، بلغتين مختلفتين، وهناك أمثلة كثيرة أخرى.

وفى الوقت نفسه، نما علم اتصالات الجوال والذي بدأ فعاليته في بداية ومنتصف تسعينات القرن الماضي، وسرعان ما تقدم هذا العلم بسرعة مذهلة وغير متوقعة، حتى أن العالم الآن يتحدث عن الجيل السادس ولم يمر على الجيل الأول منه سوى أقل من ثلاثين عاما.

وتشابكت علوم الاتصالات مع علوم تكنولوجيا المعلومات، وأصبح العلمين علما واحدا ضخما، تنبثق من خلاله علوم أخرى متشابكة، ونتج عن ذلك تطبيقات جديدة لم يكن يفكر فيها أحد أو يحلم بها من قبل.

وقد أصبح نمو وتطور هذا العلم المدمج في غاية السرعة، ولنا أن ننظر إلى جهاز الجوال حاليا وما يحتويه من القدرات الفائقة التي نحصل عليها من خلاله، وبه كل ما سبق من العلوم، حتى أننا لو تخيلنا أن شخصا قد نام أو غاب عن دنيانا لمدة أربعين سنة فقط، واستيقظ الآن، لظن أن هذا سحر ساحر عليم.

وبطبيعة الحال ومع صغر الأحجام وزيادة القدرة الفائقة في التواصل والمعالجة، ظهرت تطبيقات مهمة وعديدة نستخدمها يوميا وكمثال لذلك هو تطبيق ارشاد التنقل أو (global positioning system - GPS)، والذي يستخدمه الكثيرون الآن في التنقل من مكان لآخر.

وظهر اتجاه علمي آخر لتواصل الأشياء فيما بعضها، أي ليس فقط بين إنسان وآخر أو بين إنسان وآلة أو جهاز، وهذا ما يعرف بإنترنت الأشياء أو (internet of things - IoT)، وهذا سوف يؤول إلى تطبيقات لم نكن نعرف عنها شيئا، مثل قيادة السيارات بغير سائق وقد بدأت بعض شركات تصنيع السيارات مؤخرا في انتاج هذه السيارات وكانت شركة "تسلا" (Tesla) أولى هذه الشركات والتي أنتجت أول سيارة في عام 2004، ولكنها الآن ومع شركات عالمية أخرى تقوم بتطوير سيارات مماثلة دون قائد، وإنما بمواصفات أحدث وقدرات أكبر.

ولكن تلك السيارات لم تنتشر عالميا بعد، ولنا أن نتساءل: هل يمكن أن تسير سيارة دون قائد في شوارع القاهرة المزدحمة، والتي مرورها معقد للغاية؟ لعلنا ننتظر لنرى هل سيحدث هذا أم لا؟ فلننتظر!

وبالطبع، طالما وصل علم الاتصالات لهذا القدر من التقدم، فقد وجب وضع المواصفات القياسية العالمية حتى يتم الاتصال، متضمنا العديد من الأجهزة التي تم تصنيعها بشركات مختلفة، وظهرت المؤسسات الدولية التي تنظم ذلك. ويأتي على رأسها الاتحاد الدولي للاتصالات (international telecommunication union - ITU)، الذي يتبع منظمة الأمم المتحدة ومقره مدينة جنيف بسويسرا.

وختاما نستطيع القول بعد ما سبق إننا لا يمكننا أن نتنبأ بما ستصل إليه قدرات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بعد عشرة أعوام أو أكثر من الآن. كما أننا لا لا ندري ماذا سيستعمل أبناؤنا وأحفادنا من سبل الاتصال، وهل سنرى نحن أي طفرة كبيرة في هذا المجال أم لا.                  نبذة سريعة عن كاتب المقال

الدكتور مهندس سامي الحناوي أستاذ ورئيس قسم هندسة الالكترونيات والاتصالات بجامعة مصر الدولية. حصل على شهادتي البكالوريوس والماجستير من كلية الهندسة بجامعة عين شمس في عامي 1975 و1980 بالترتيب، وحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة مكماستر بكندا في عام 1986. وتشمل خبرته لتتضمن المجالين الأكاديمي والتطبيقي الدوليين؛ حيث كانت خبرته العمل في مصر وكندا بكبرى الجامعات وشركات الاتصالات العالمية.

وللدكتور سامي أبحاث عديدة منشورة في المؤتمرات الدولية والدوريات العلمية المتخصصة. كما أن له العديد من الاختراعات المسجلة باسمه دوليا، فضلا عن عدد من التقارير العلمية التي تم تقديمها إلى الاتحاد الدولي للاتصالات التابع لهيئة الأمم المتحدة.

وقد أشرف الدكتور سامي على العديد من رسالات الماجستير والدكتوراة.


اترك تعليقك

احمد بازرعة السبت 12 مارس 2022 11:52 ص

مقالة جميلة يا دكتور واجمل حاجة فيها انها مبسطة حتى يفهمها غير المتخصصين.

محمود النويهى الخميس 04 مايو 2023 02:45 ص

ملخص رائع لتطور علم الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وما صاحبهم من اختراعات مذهله خلال فتره وجيزه

Top