طاقة
الانصهار النووي:
طاقة النجوم إلى الارض
حلم طالما داعب خيال العلماء منذ عقود ويتمثل في جلب طاقة النجوم إلى الارض! فالنجوم اجرام سمارية شديدة الحرارة، ملتهبة، مشتعلة، ومضيئة بذاتها، يغلب على تركيبها غاز الهيليوم، والقليل من العناصر الاخرى الاثقل وزناً. وتحتوي مادة النجم الغازية عملية التجاذب الداخلي والناتجة عن دورانه حول محوره إلى مركزه.
وتؤدي هذه العلمية إلى اتحاد نوى الهيدروجين مع بعضها بالانصهار النووي (Nuclear Fusion)، واطلاق كميات هائلة من الطاقة على هيئة الاشعاعات الكهرو مغناطيسية، ومن اهم امثلة هذه الطاقة الحرارة العظيمة التي تصلنا من الشمس التي تبعد عنا نحو 95 مليون ميل! ترى ما هي طاقة الانصهار النووي وكيف السبيل إلى جلبها لكوكب الارض؟
على الصعيد النظري الانصهار النووي لا يحتاج سوى لاعداد مزيج من نظائر الهيدروجين (Hydrogen Isotopes) كالديوتيريوم والتريتيوم يؤدي إلى اطلاق تفاعلات بين نوى ذرات الهيدروجين، تساهم بدورها في انصهار بروتونات الهيدروجين مع بعضها وتحويل جزء من كتلتها (Mass) إلى طاقة. لكن التفاعل بين نوى الذرات لا يحصل الا تحت حرارة عالية تسمى بطاقة الانصهار النووي الحار. ولذلك جرت محاولات حثيثة عبر التاريخ لانتاج طاقة الانصهار النووي عبر تحرير طاقة الذرة بتشطيرها (Fission).
وشملت المحاولات استخدام مفاعلات حرارية كبيرة جعلت الامر يبدو كلعبة "غميضة" أو "استغماية" بين الطاقة وعلماء الاندماج النووي، وذلك بجعلهم يعتقدون انهم اقتربوا من غايتهم والسخرية منهم عبر الايحاء بأن الحصول على طاقة غير محدودة من الانصهار النووي ما زال حلماً بعيداً.
وما زالت طاقة الانصهار النووي منذ اكتشافها في آذار (مارس) من العام 1989 مدار اخذ ورد، إذ بقي الطموح البشري في ظل تزايد اسعار الطاقة وتصاعد ازماتها ومشاكلها ولا سيما تلك الناتجة عن حرق الوقود الاحفوري يسعى لايجاد طاقة بديلة رخيصة لا تؤذي البيئة.
وبقيت المعضلة قائمة حول انتاج طاقة انصهار دون حرارة او مفاعلات اي انصهار نووي بارد، فأين نحن اليوم من هذا الحلم؟
أولى تجارب الانصهار النووي البارد
بداية، لنسترجع ما حدث في شهر آذار (مارس) من العام 1989 وذلك عندما اعلن البروفيسور ستانلي بونز ومارتن فليشمان في مؤتمر صحافي عن نجاح تجريبتهما المخبرية للانصهار النووي البارد.
لقد حدد العالمان آنذاك ان الانصهار النووي البارد معدنية مشبعة بالهيدروجين الخفيف والثقيل. وينتج عن التفاعل طاقة حرارية عالية وهيليوم ونسبة قليلة من النيوترونات. وفي بعض التجارب تحول المعدن المضيف إلى عناصر أخرى والمعادن التي جربت هي البالاديوم والتيتانيوم والنيكل وبعض السيراميك (فائق التوصيل).
وشملت تجربة بونز وفليشمان استخدم قضيب من البالاديوم داخل خلية كيميائية كهربائية مملوءة باوكسيد الديوتيريوم. وكانت نتيجة التفاعل طاقة وغاز الهيليوم وقليلاً من النيوترونات. وهذا التفاعل غير المحدد بنهاية، اعتمد على التحلل الكهربائي (Electrolysis) للماء الثقيل وانسحاب بروتونات الهيدروجين بقوة إلى قطب البالاديوم مما حفز الانصهار النووي. ولا يمكن تصنيف الانصهار النووي كعملية كيميائية، نظراً لعدم استهلاكها أي مواد كيمائية وعدم انتاجها او تكوينها لمخلفات. وتحتوي خلايا الانصهار البارد في الاغلب على الماء وهي مادة غير محترمة ولا تدخل في تفاعلات حرارية خارجية. وتحتوي الخلية أيضاً على معدن "الهيدرايدات" التي لا تحرر إلا كمية من الطاقة الحرارية، إلا ان خلايا الانصهار النووي البارد تتمكن من تحرير كميات من الطاقة في وحدة كتلة تفوق بمئات المرات ما تنتجه الخلايا الكيميائية.
فعلى سبيل المثال، رذا وضعنا 50 ميلليغرام (Gram 0.005) من الهايدرايد (معدن) داخل الخلية دون اي وقود او مادة حارقة للحرارة نحصل على 108 مليون جول من الطاقة خلال شهرين.
وبالمقارنة فأن احسن انواع الوقود الكيميائي، وهو الغازولين، سيأخذ نحو 2500 غراماً لانتاج 108 مليون جول. وبذلك تكون طاقة خلية الانصهار النووي البارد اكثر بـ 50 الف مرة من طاقة الغازولين. وبالاضافة إلى ذلك لم تظهر خلية الانصهار البارد اية علامة انتهاء عمل، فهي تعمل لسنوات او قرون. والتفاعل النووي ينتج طاقة تزيد ملايين المرات عن طاقة الاحتراق الكيميائية ولكن لفترات اطول. بالوقت الذي يعطي عود الثقاب كمية كبيرة من الطاقة لثوان عدة، يبقى الراديوم مثلاً حاراً لآلاف السنين.
ويعتقد الكثيرون انه طالما تنتج التفاعلات النووية كميات هائلة من الطاقة فلا بد ان تكون مصحوبة بحرارة شديدة أيضاً، كما في قلب المفاعلات النووية او الشمس مثلاً. وهذا غير صحيح من الناحية العلمية، فنموذج من معدن الراديوم او اليورانيوم المشع قد يكون باردا اثناء انشطاره، ولكن هذه المواد تنتج كميات هائلة من الاشعة المؤينة. فالانشطار النووي الواحد ينتج ملايين الالكترون فولتات من الطاقة، بينما لا تنتج الذرات في التفاعل الكيميائي سوى 3 إلى 4 الكترون فولت. والفرق ان عدد الذرات التي تخضع للتفاعل النووي (الانشطار مثلاً) هي فليلة جداً مقارنة مع مليارات الذرات التي تقوم بالتفاعل الكيميائي آنيا. وهذا يعني ان التفاعل النووي ينتج طاقة تعادل ملايين المرات قيمة الطاقة التي ينتجها التفاعل الكيميائي. ولكن التفاعل الكيميائي ينتج طاقة كبيرة خلال فترة وجيزة من الزمن، وهذا السبب هو الذي يجعل عود الثقاب محترقا اكثر حرارة اي قدرة من معدني اليورانيوم او الراديوم.
الانصهار النووي الحار
بالمقارنة مع الانصهار النووي "البارد" ما هو الانصهار النووي "الحار" التقليدي والمعروف تحت اسم الانصهار البلازمي؟
الانصهار النووي الحار هو نوع من التفاعل النووي الذي يغذي الشمس والنجوم بالطاقة، فعندما ترتفع الحرارة لملايين الدرجات تفقد نوي الهيدروجين (البروتونات) خاصية التنافر بينها وتبدأ بالالتحام والانصهار فيما بينها لتكوين نوات هليوم (2 بروتونات). وينتج عن هذاا الالتحام إطلاق كم هائل من الطاقة. الانصهار كتفاعل نووي هو عكس الانشطار الذي ينتج طاقة عن طريق تكسير او تشطير نوى ذرات عناصر ثقيلة كاليورانيوم والبلوتونيوم.
وأمضى العلماء اكثر من 40 عاماً في ابحاث صرف عليها مليارات الدولارات، وذلك من اجل استكشاف امكان صنع جهاز على الاقل، يحاكي تفاعلات الانصهار التي تحصل في النجوم. وقد تمكن هؤلاء العلماء من صنع اجهزة ضخمة ومعقدة على مجالات مغناطيسية هائلة ولايزرات قوية لضغط وتسخين (الديوتيريوم). وعلى الرغم من نجاحهم في تحقيق اندماج او انصهار نووي حار (بلازمي) تحت ظروف يسيطر عليها، إلا أن العلماء لا يزالون يعتقدون انهم يحتاجون لثلاثين سنة على الاقل لإنجاز جهاز اندماج عملي الاستخدام لصعوبات تقنية وهندسية جمة.
مشروع "ايتار"
لكن الامل جاء في اجتماع الاميركية الفيزيائية، الذي عقد في تشرين الاول (أكتوبر) من العام 2001 في كاليفورنيا، حين كشف باحثون النقاب عن بيانات تظهر انه بالامكان فعلاً انتاج درجات حرارة تصل إلى 100 مليون درجة مئوية، والمحافظة عليها على نحو يتيح نظريا على الاقل جلب مصدر طاقة النجوم إلى الارض.
وهذا تطور واعد بالنسبة لباحثي الانصهار النووي الذين انخفضت معنوياتهم إلى نقطة متدنية في العام 1989، عقب توقف مشروع المفاعل التجريبي الحراري النووي الدولي (Iter) "ايتار"، الذي كان يرمي إلى بناء آلة صهر بحجم بناء بعشرة طوابق، فالحسابات التي قام أثارت شكوكاً خطيرة حول صحة المزاعم بأن "ايتار" سوف يبلغ نقطة الاشتعال، هذه الشكوك إضافة إلى تكلفة المشروع الباهظة التي قدرت بعشرة مليارات دولار، دفعت الكونغرس إلى عدم الموافقة على المشاركة الاميركية وبالتالي القضاء على أي أمل في بناء الماكينة العملاقة. بعد مذلك بدأ العديد من العلماء يشككون جدياً في إمكانية ترويض الانصهار النووي، لا سيما ان ابسط الحسابات المنطقية لا تدعو ابدا للتفاؤل، فالنجوم تبدو في الخارج وكأنها محطات مضطرمة لتوليد طاقة لكن بالنظر عن كثب إلى نجم مثل الشمس نجد ان كميات الطاقة الناتجة عن انصهاراته النووية لا تتجاوز واطاً واحداً (1 Watt) لكل متر مكعب من حجمه في حين ان على مفاعل الانصهار العملي ان يحشر طاقة تساوي مليون ضعف هذا المقدار، وكلما تعمق العلماء في دراسة الخصائص الفيزيائية بالغة التعقيد للبلازما (غاز مؤين يحتوي على اعداد متساوية تقريباً من الإلكترونات والايونات الموجبة) في آلات الانصهار، ازداد إحباطهم.
وكانت المسائل الاشكالية الاكبر تتمثل في حجم المفاعل المقترح وقدرة تحمله لارتطام النيوترونا. الناتجة عن تفاعلات الاندماج وتحمله للحرارة الهائلة على سنين طويلة دون انقطاع وإمكانية الحفاظ على درجة الحرارة الداخلية دون استنزافها للخارج.
لكن في اجتماع الجمعية الاميركية الفيزيائية قدمت جويل مايو إحدى الباحثات في مختبرات مشروع "توروس" الاروروبي المشترك في أكسفورد الاختبارات الدولية لماكينات الانصهار المعروف باسم "غيت"، افضل دليل إلى الآن على إمكانية استغلال تأثيرات الاحتباس الحراري الطبيعي الذي يحدث في البلازما وما يعرف بـ "عوائق النقل الداخلي لصون حرارة المفاعل. ويتوقع لعوائق النقل الداخلي هذه ان تلعب دوراً حامساً في نجاح اي مفاعلات مستقبلية منتجة للطاقة، فالتحكم بالظروف داخل ماكينة الانصهار النووي يمكن ايجاد انحراف في المجال المغناطيسي يقلص معدل ضياع الحرارة بشكل دراماتيكي وهذا يزيد من ارتفاع درجة الحرارة وكثافة البلازما، وبالتالي يفترض ان يؤدي إلى إمكانية بناء مفاعلات اصغر حجماً وارخص تكلفة.
وكشف مايو وزملاؤها عن التقدم المثير في آداء مفاعل "غيت" والذي أتاحته عوائق النقل الداخلي، فقد نجح تأثير الاحتباس الحراري هذا، في رفع الحرارة في مركز البلازما إلى أكثر من 300 مليون درجة مئوية أي اكثر من ضعف المستوى اللازم لبدء عملية الانصهار واستمرارها، وتمكن أيضاً من زيادة حجم البلازما إلى عشرة أضعاف ما كان عليه وهو تطور مذهل في الأداء.
وفي حين أن باحثي "غيت" يقرون بأن هذه التطورات المثيرة ليست سوى خطوة على الطريق الطويل نحو الهدف المراوغ، إلا أن هناك إجماعاً ضمنياً بين جمهور الباحثين على أن النتائج الاخيرة بثت الامل من جديد في النفوس المحبطة التي أرهقتها الاحباطات المتتالية على مدى العقود الماضية. وهناك أنباء سارة أيضاً بالنسبة لمشروع مفاعل "ايتار" الذي يتم الآن احياؤه من جديد بعد توقف دام سبع سنوات وإن كانت النسخة المقترحة الآن اصغر حجماً لكنها اكثر تطوراً وأقل تكلفة من النسخة الافتراضية الأصيلة. ويبدو الباحثون النظريون واثقين من أن تأثير احتباس الحرارة الذي شوهد في الماكينات الاصغر مثل "غيت" سيظهر أيضاً في "ايتار" الذي يتوقع له ان يولد 500 ميغاواط من الطاقة من عشرات الميغاواطات فقط من التسخين الخارجي. وعقدت في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي اول محادثات بين الشركاء الدوليين الذين لا يزالون ملتزمين بالمشروع لاتخاذ القرار بشأن مكان مفاعل "ايتار" المصغر وهناك من يتحدث ايضاً عن انضمام الولايات المتحدة من جديد للمشروع الذي بدأ يستفيد من إحساس التفاؤل الجديد حول الانصهار حتى بين المشككين من أمثال ريتشارد هازلتين من جامعة تكساس، والذي قال "كنت اميل إلى الشك في المزاعم التي اطلقت حول جدوى متابعة البحث قبل بضع سنوات، لكنني اليوم اشترك مع غيري في التفاؤل، ففضلا عن تأثيرات الاحتباس الحراري بدأنا نفهم ما يحدث بالضبط في الاندماج النووي وبذلك تكون الصورة قد تغيرت كلياً.
وبعد اعوام بل عقود من الفشل والانتكاسات والاحباطات يعتقد العلماء انهم في النهاية ربما اصبحوا على وشك الوصول إلى مبتغاهم.
مفاعل توكاماك
مصدر الثقة التي تملأ هؤلاء العلماء حالياً ينبع من الانجازات التي كما اسلفنا تحققت في مشروع "غيت" الخاص بالاندماج النووي والذي تموله عدد من الدول الاوروبية ويتم تنفيذه في مدينة كولهام بالقرب من اكسفورد. فمنذ اواخر السبعينيات يعكف العلماء في هذا المشروع على العمل على احداث اندماج نووي بواسطة مفاعل اطلق عليه اسم "توكاماك" (Tokamak) وهي كلمة روسية تعني "الزجاجة السحرية". داخل هذه الزجاجة يتم وضع عدد من البلازمات والحفاظ على وضعها عن طريق تفعيل مجالات مغناطيسية مكثفة تم القيام بتسخينها برفع درجة حرارتها إلى مليون درجة مئوية باستخدام اشعة من موجات لاسلكية مشعة موجة بدقة كبيرة وكذلك جزئيات سريعة الحركة. و"غيت" مشروع واعد، إذ أعلن القائمون عليه في العالم 1997، ان "الزجاجة السحرية" استطاعت ان تولد طاقة تبلغ 16 ميغاواط وهي الطاقة التي يمكنها اضاءة مدينة بالكامل، ولكن كان هناك سلبية كبيرة من هذا الكشف العلمي تمثلت في ان آلة الصهر تلك احتاجت كي تواصل عملها تقريباً إلى ضعف الطاقة التي قامت بتوليدها. لذا كان الكشف خالياً من أي قيمة اقتصادية، لانه إذا كان الهدف هو ان تتحول هذه الطاقة إلى مصدر بديل، فإن حجم الطاقة المولد من هذه الآلة يجب ان يكون اكثر بكثير من الطاقة الازمة لتشغيل الآلة نفسها. ويعتقد العلماء اليوم، انهم قد توصلوا الآن إلى الوسيلة التي تمكنهم من الحصول على تلك النتيجة، وجاء هذا الاعتقاد في اعقاب اعلان خبراء اميركيين في مجال الاندماج النووي عزمهم على التعاون مع علماء أوروبا وروسيا واليابان وكندا لإنشاء ما يطلق عليه المفاعل النووي الحراري التجريبي، وهو اول آلة من نوعها لإحراق البلازما. وبعد هذا المفاعل بالفعل مشروعا ضخماً فريداً من نوعه وتكلفته وكذلك في حجمه، فهند اكتماله بحلول عام 2018 تقريباً كما يخطط هؤلاء العلماء سوف يبلغ طوله تقريباً طول مبنى مكون من 10 طوابق وسيتكلف إنشاؤه حوالي ثلاثة مليارات جنيه إسترليني. ومنطقياً يعد هذا الحجم وهذه التكلفة مناسبين لاي آلة يمكن ان يتوقع منها الحصول على مصدر طاقة إضافة النجوم وتوصيله إلى الارض. وعلى الرغم من اجماع معظم العلماء على فعالية المشروع، كانت هناك حتى فترة وجيزة شكوك حقيقية فيما يتعلق هذا المفاعل على تحقيق الهدف المرجو منه، فقد انسحبت اميركا عام 199٥ من الاقدام على بناء نسخة مماثلة للمفاعل الذي يخطط لبنائه حالياً بل كانت تفوقه في الحجم بمقدار الضعف، مدعية انه لا يمكنه تحقيق المراد وتتمركز هذه الشكوك حول الطريقة التي تتحرك بها البلازما داخل هذا القدر الهائل من الحرارة اللازمة لاحداث عملية الانصهار، حيث يحدث تقلب وتناثر للبلازما داخل الآلة على الرغم من محاولة تثبيتها عن طريق المجال المغناطيسي.
ويقول البروفيسور ستيف كولي، خبير الاندماج النووي من جامعة امبريال بلندن، ان هذا التحرك وعدم الثبات يؤديان إلى هروب الحرارة من البلازما بسرعة شديدة، ومن اجل التغلب على هذا الامر، يجب ان تكون آلات الاندماج كبيرة بالقدر الذي يؤدي إلى زيادة مساحة الوقت الذي تحتاجه الحرارة للهروب والتسرب من البلازما. ويعتقد البروفيسور ان الحجم لمثل تلك الآلات ربما يصل إلى درجة من الضخامة يصعب معها تنفيذ المشروع، وهو الامر الذي القى بظلال سيئة على مستقبل المشروع برمته. لكن هذه الظلال بدأت في الانقشاع مرة اخرى مؤخراً، عندما اعلن الباحثون في مشروع "غيت" انهم وصلوا إلى طريقة مبتكرة باستخدام الموجات اللاسلكية والمجالات المغناطيسية للسيطرة على حركة البلازما، ولكن على الرغم من ذلك بقيت بعض المخاوف المتعلقة في قدرة المفاعل على انتاج طاقة تزيد 10 مرات على الطاقة التي يستهلكها، الامر الذي دفع البعض إلى التفكير في بناء نماذج اخرى من هذا المفاعل تكون لها القدرة المشار اليها آنفاً. ولكن حتى لو نجح مشروع المفاعل على المستوى العلمي فإن الصورة لم تتضح بعد، فيما يتعلق بإمكانية نجاحه اقتصادياً، لا سيما وان الانتهاء منه لا يزال امراً لن يتحقق قبل 20 عاماًَ. فعلماء البيئة يشيرون إلى التكلفة غير المعروفة بعد والخاصة بعملية الصيانة اللازمة لمثل تلك المفاعلات ووسائل السيطرة على نفاياتها النووية والاشعاعية.
وفي الوقت نفسه، يرى المناصرون للمشروع ان النفايات المتعلقة بهذا النوع من الطاقة ابسط بكثير مما ينتج عن المصادر الاخرى، ويؤكدون ان هذه المفاعلات ستكون ناجحة جداً من الناحية الاقتصادية.
لذا ومع هذا التضارب في الآراء يبقى اليقين امراً بعيد المنال في هذه القضية الشائكة التي لن يحسمها إلا القيام بالتجارب اللازمة وبناء المفاعل المذكور، وعندها فقط يمكن حسم القضية. ويبقى السؤال ما هو مستقبل الانصهار النووي البارد؟
لعل العقبة الاهم في فهم آلية هذا التفاعل النووي، ولا يزال العديد من الباحثين يرفضون وجوده لكل بساطة لانهم لا يجدون تفسيراً له، من ناحية اخرى، كل الاختراعات والاكتشافات المهمة كالتخدير والطائرة والسيارة ومضاد الحيوية ورحلا الفضاء والانشطار النووي وغيرها واجهت هذه العقبة في السباق.
اذا كشف اسرار الانصهار البارد فان ذلك سيشكل ثورة عالمية كبرى في مضمار الطاقة، وسيجعل من استخدام الوقود الاحفوري وحرق الكربون طرقاً متخلفة تلوم البشرية نفسها على اللجوء ستبقى البشرية بانتظار حدث يقف منه علماء اليوم وقفة مصدق ومكذب في آن.
اترك تعليقك