الأخبار العاجلة
  • الأحد, 08 سبتمبر 2024
أخبار السياسة و الطاقة
  • رئيس مجلس الإدارة و التحرير
    خالد حسين البيومى
الجمعة 26 يوليو 2024 03:11 م

توظيف الطاقة لصالح السياسات الخارجية للدول

 

لم تعد قوة الدول تُقاس بما تمتلكه من قوة سياسية أو اقتصادية أو عسكرية  فحسب، ولكن أيضًا مرتبطة بحجم طاقتها وبمدى امتلاكها للمصادر الطبيعية للطاقة أو بمدى استغلالها لتلك المصادر من أجل إنتاج الطاقة والتكنولوجيا لتعزيز مصالحها العالمية وتقويض مصالح منافسيها، وهذا ما يعرف بـ «قوة الطاقة» "Energy   Power" أي القوة الناعمة "Soft Power"، ومن هنا أضحت «سياسة الطاقة» جزءًا من السياسات الحكومية، بل وتقع في صميم السياسة الخارجية للدول.

وتلعب الطاقة  دورًا محوريًّا في تشكيل السياسات الخارجية للدول، سواء كانت تلك الدول مصدرة للطاقة أو مستوردة لها، ولكن نقطة الخلاف بين تلك الدول تتمثل في كيفية استخدامها لسلاح الطاقة  في التأثير على سياساتها الخارجية. فبالنسبة للدول المستورة للطاقة (الولايات المتحدة والصين على سبيل المثال) فإنها تقوم بربط سياساتها الخارجية بتقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية، وهنا نجد أن «محدودية مصادر الطاقة» بالولايات المتحدة لم تؤثر سلبًا على سياساتها الخارجية، بل زادتها حدة، كذلك الأمر مع الصين أيضًا.

وقد حاولت الولايات المتحدة - أكثر من أية دولة أخرى مستوردة للطاقة- تطوير بدائل الطاقة المتجددة، وإحلالها محل النفط، والعمل على استقلالية الطاقة الأمريكية، والتنقيب عن النفط في السواحل الأمريكية.

وقد بدا ذلك واضحًا في العلاقات الأمريكية - الإيرانية، فالإدارات الأمريكية المتعاقبة قد سعت إلى تطبيق نظرية «قوة الطاقة» على بعض قضايا السياسة الخارجية الأمريكية، فعلى سبيل المثال الطفرة في إنتاج النفط الأمريكي قد استخدمت كعامل دفع إيران للتوصل إلى حل تفاوضي للخلاف حول أنشطتها لتخصيب اليورانيوم، فبارتفاع إنتاج الولايات المتحدة قلّل من تأثير الصادرات الإيرانية المتضائلة لأمريكا.

أما بالنسبة للدول المصدرة للطاقة، فالعبرة ليست باستخدام الدولة ما يتوافر لديها من قدرات قومية لتحقيق أهداف سياستها الخارجية من عدمه، ولكن العبرة بـ «الفعالية» بمعنى  القدرة على تحقيق أهداف السياسة الخارجية، فرغم أن استخدام المملكة العربية السعودية لسلاح «النفط» كسلاح استراتيجي حدث مرة واحدة في عام 1973، فإن هذا السلاح كان فعالاً، وقد تمكنت المملكة العربية السعودية من تحقيق أهدافها.

ومن بين الدول الأخرى المصدرة للطاقة «روسيا»، وهنا نجد أن عامل الطاقة يعتبر عنصرًا هامًا في تحديد مسار وتوجهات السياسة الخارجية الروسية، حيث تعتبر روسيا من أغنى دول العالم من حيث مصادر الطاقة، فهي الدولة الأولى عالميًا من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي، كما تمتلك سابع أكبر احتياطي نفط في العالم، ويعتبر قطاع الطاقة دعامة أساسية للأمن القومي الروسي وأداة مهمة من أدوات سياستها الخارجية، ويضم القطاع كلاًّ من النفط والغاز الطبيعي والفحم.

ومنذ منتصف عام 2000، بدأت وزارة الطاقة في الاتحاد الروسي النظر إلى الطاقة على أنها نوع من «الأداة الجيوسياسية»، وأحد أصول القوة الناعمة "Soft Power" التي تستخدمها روسيا للحفاظ على مجال نفوذها في العالم، حيث عززت صادرات الطاقة الروسية بشكل كبير من عائداتها وقوتها الاقتصادية، وتبنت موسكو بعض المواقف التكتيكية مثل ارتفاع الأسعار أو الخصومات وتعطيل الإمدادات من أجل تعزيز دوافعها الجيوسياسية، وبرزت «أنابيب الغاز» كسلاح سياسي فاعل في يد الدولة ضد الأطراف الأخرى.

وبصفة عامة، فإنه على مدار السنوات الماضية، نجد أنه قد تم استخدام «الطاقة» كسلاح استراتيجي في تنفيذ السياسات الخارجية للدول، ومن أمثلة ذلك قرار عصبة الأمم خلال الحرب العالمية الثانية بحظر تصدير النفط لإيطاليا، وذلك بعد عدوانها على الحبشة (إثيوبيا حاليًا)،و قرار رئيس وزراء إيران د. «مصدق» عام 1951 بإعلان تأميم صناعة البترول.

وفي يونيو 1967، جاء إعلان  مجموعة من الدول العربية إيقاف ضخ بترولها لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا الغربية، وذلك وفقًا لاستراتيجية الحظر، وذلك رغبة من تلك الدول فى إجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي المحتلة في حرب 1967. وبين 1973 و 1974، سعت الدول العربية الأعضاء في منظمة أوبك إلى كبح الدعم الخارجي لإسرائيل من خلال فرض حظر على شحنات النفط إلى الولايات المتحدة و هولندا؛ مما أثار تباطؤاً اقتصادياً عالمياً.

وهنا نجد أنه مع أزمة حظر النفط العربي عام 1973 أصبح مفهوم «أمن الطاقة» أحد أولويات الأمن القومي الأمريكي، وأصبحت قضية «أمن الطاقة» قضية تتقدم أجندة مرشحي الانتخابات الرئاسية .

وفي ضوء ما سبق، نخلص إلى ثلاث نتائج رئيسية وهي:

الأولى:

أصبح استخدام قوة الطاقة كقوة ناعمة "Soft Power" بديلاً للقوة العسكرية الصلبة "Hard power" وذلك عند إدارة الأزمات بين الدول أو في تنفيذ سياساتها الخارجية.

الثانية:

نجاح بعض الدول في استخدام الطاقة كـ «سلاح استراتيجي» لتنفيذ سياساتها الخارجية، في حين فشلت دول أخرى فى ذلك.

الثالثة: أن الأسلوب الأمثل في توظيف الطاقة تحقيقًا لأهداف السياسة الخارجية للدول، هو في الاتجاه لاستخدام طرق مرنة وسلمية للوصول إلى «مصادر الطاقة»، ولعل هذا ما يمثل التفكير الاستراتيجي للوصول إلى «مصادر الطاقة»، وذلك في إطار ما يعرف بـ "دبلوماسية الطاقة".

 

 

 

نشوة نشأت

المدير العام لمركز سيف بن هلال لدراسات وأبحاث علوم الطاقة


اترك تعليقك

شحاته زكريا الجمعة 26 يوليو 2024 03:20 م

أصبحت الطاقة عاملا حاسما في السياسة الخارجية للدول فهي تُستخدم كأداة قوة ناعمة للتأثير على الدول الأخرى وتحقيق المصالح الوطنية .. الدول المصدرة مثل روسيا والسعودية تستغل مواردها للضغط السياسي ، بينما تسعى الدول المستوردة كأمريكا والصين لتأمين إمداداتها عبر المساعدات والعلاقات الاستراتيجية .. تاريخيا استُخدمت الطاقة كسلاح في أزمات دولية عديدة مما جعل أمن الطاقة أولوية قصوى للعديد من الدول اليوم هناك توجه نحو "دبلوماسية الطاقة" - استخدام أساليب أكثر مرونة وسلمية لإدارة قضايا الطاقة دوليا باختصار أصبحت الطاقة محورا أساسيا في تشكيل العلاقات الدولية وصياغة السياسات الخارجية في عالمنا المعاصر. تحياتي

Top