ثورة خضراء في الصناعة المصرية: أنتاج أول لوح خشب بنظام MDF... قصة نجاح تتحدى المستحيل"
كتب/شحاته زكريا
في قلب الدلتا المصرية الخضراء حيث تمتد حقول الأرز الشاسعة ، تولد اليوم قصة نجاح جديدة تروي فصولها الشركة المصرية لتكنولوجيا الأخشاب .. إنها قصة تحول رائعة ، من مخلفات زراعية كانت تمثل عبئا بيئيا ، إلى منتج صناعي عالي القيمة يفتح آفاقا جديدة للاقتصاد المصري.
اليوم وبعد سنوات من العمل الدؤوب والتخطيط المحكم نجحت الشركة في إنتاج أول لوح MDF من قش الأرز ، في إنجاز يعد الأول من نوعه في مصر والشرق الأوسط .. هذا الحدث التاريخي لم يكن ليتحقق لولا الرؤية الثاقبة للدولة المصرية وإيمانها الراسخ بقدرات أبنائها على الابتكار والإبداع.
يترقب الجميع بشغف زيارة المهندس كريم بدوي وزير البترول والثروة المعدنية ، لتفقد المصنع ومشاهدة باكورة الإنتاج .. هذه الزيارة لا تمثل مجرد تفقد روتيني ، بل هي تتويج لجهود جبارة وتأكيد على التزام الدولة بدعم المشروعات الصناعية الرائدة التي تحقق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.
ولكن ما هو سر هذا المشروع الذي استثمرت فيه الدولة 351 مليون يورو؟ وكيف سيغير وجه الصناعة في مصر؟
إن الإجابة تكمن في الأرقام المذهلة فهذا المصنع العملاق الممتد على مساحة 114 فدانا ، سينتج سنويا 205 آلاف متر مكعب من ألواح MDF عالية الجودة .. هذا الإنتاج الضخم لن يسهم فقط في تلبية احتياجات السوق المحلية بل سيفتح أبوابا جديدة للتصدير ، محققا عائدات بالعملة الصعبة للاقتصاد المصري.
ولكن الأمر لا يتوقف عند الجانب الاقتصادي .. فهذا المشروع يمثل ثورة حقيقية في مجال الحفاظ على البيئة فبدلا من حرق قش الأرز وهي ممارسة كانت تسبب تلوثا هائلا للهواء وتؤثر سلبا على صحة الملايين ، أصبح هذا القش الآن مادة خام قيمة تدخل في صناعة منتج عالي الجودة.
إن التكنولوجيا الألمانية المتطورة المستخدمة في هذا المشروع ، والتي يتم تطبيقها بأيادٍ مصرية ماهرة ، تضمن إنتاج ألواح MDF بمواصفات عالمية .. هذه الألواح التي يمكن التحكم في كثافتها ووزنها ولونها ودرجة صلابتها، ستفتح آفاقا جديدة لصناعات متعددة في مصر من الأثاث المنزلي إلى الديكورات والمطابخ والأبواب.
إن نجاح هذا المشروع يعكس بوضوح حكمة القيادة المصرية في تبني استراتيجيات التنمية المستدامة. فهو يحقق معادلة صعبة: تعزيز الصناعة الوطنية، وخلق فرص عمل جديدة وحماية البيئة كل ذلك في آن واحد.
ولعل أحد أهم جوانب هذا المشروع هو أنه استثمار مصري خالص فالشركة المصرية القابضة للبتروكيماويات والهيئة المصرية العامة للبترول ، وشركتا سيدي كرير للبتروكيماويات وبتروجت كلها تساهم في رأس مال المشروع .. هذا التعاون بين الشركات الوطنية يعكس الثقة في قدرات الصناعة المصرية على تحقيق إنجازات عالمية المستوى.
إن هذا المشروع ليس مجرد مصنع جديد ، بل هو بداية لعصر جديد في الصناعة المصرية .. عصر يتميز بالابتكار والاستدامة والقدرة على المنافسة عالميا. إنه دليل حي على أن مصر بعقول أبنائها وثرواتها الطبيعية ورؤية قيادتها قادرة على تحويل التحديات إلى فرص والمشكلات إلى حلول مبتكرة.
في النهاية يبقى السؤال: إذا كان هذا ما يمكن تحقيقه بقش الأرز فما الذي يمكن أن تحققه مصر بباقي مواردها؟ إن المستقبل يبدو مشرقا ، ومصر تسير بخطى واثقة نحو غد أفضل مدفوعة بإبداع أبنائها وحكمة قيادتها ورؤيتها الطموحة للتنمية المستدامة.
اترك تعليقك