تحقيق .. جهاد يسرى صلاح
سيناء بوابة مصر الشرقية.. الجسر الذي يربط قارتي أفريقيا وآسيا
من عصر محمد على حتى معاهدة السلام
سيناء ليست مجرد إسم جغرافي لمساحة من الأرض نعرفها بحدودها ومساحتها وتضاريسها ومناخها ومواردها الطبيعية وسكانها ، هي قطعة حية من التاريخ والأسطورة وقصص الأديان السماوية .
فهذه الأرض الساحرة ، التى تشكل ما يقرب من ستة بالمائة من إجمالي مساحة مصر، ترتبط بالتاريخ أكثر مما تنتمى إلى الجغرافيا ؛ تحكى كل قطعة فيها قصصاً وحكايات تحكى عن الأسطورة والتاريخ ، والدين والحرب والبطولة ، والعادات والتقاليد ، وحياة الناس ومشاعرهم ومتاعبهم ؛ أكثر مما تهتم بما يخرج من أحشائها من معادن ، وأحجار كريمة ، بترول وغاز وفحم … سيناء كل هذا وأكثر.
وربما ترتبط سيناء فى أذهان غالبية الناس بالحروب المصرية القريبة ضد العدو الصهيوني (مابين سنة 1948 وسنة 1973 م) حرب فلسطين 1948 م والتى شهدت النكبة العربية ؛ والعدوان الثلاثي على مصر( إنجلترا وفرنسا وإسرائيل )؛ ثم حرب سنة 1967 م ؛ وبعدها حرب الاستنزاف التى كانت المدخل الرئيسى لحرب السادس من أكتوبر التى كانت مفاجأة مؤلمة لإسرائيل عرفت فيها طعم الهزيمة والارتباك ؛ ولكن قصة العلاقة بين سيناء والحرب تبدو مثل قصة حب أسطورية ، فالحديث عن سيناء يستدعى بالضرورة الحديث عن الحروب قديماً وحديثاً.
تعد شبه جزيرة سيناء التي شهدت أكبر هجوم مسلح على مدنيين مؤخرا بوابة مصر الشرقية والجسر الذي يربط قارتي أفريقيا وآسيا، وهي على شكل مثلث وتقع في شمال شرق مصر وتشتهر باسم أرض الفيروز
أبرز الحقائق عن شبه جزيرة سيناء
* تقع شبه جزيرة سيناء في الطرف الغربي من القارة الآسيوية، ما بين البحر المتوسط شمالاً والبحر الأحمر جنوباً ، ويحدها فلسطين من الشرق وقناة السويس من الغرب حيث يمثل رأس محمد أقصى جنوبها. كما يشكل خليج العقبة حدّاً لها في جنوبها الشرقي وخليج السويس حدّا لها في جنوبها الغربي.
* تقدر مساحتها بنحو 60000 كم2 أي نحو 6 بالمئة من مساحة مصر.
*تنقسم إداريا إلى محافظتين هما شمال سيناء وعاصمتها العريش،
وجنوب سيناء وعاصمتها الطور، ومدينة بورفؤاد التابعة لمحافظة بورسعيد، ومركز ومدينة القنطرة شرق التابع لمحافظة الإسماعيلية ومنطقة الجناين
التابعة لمحافظة السويس.
* ويقطنها عدد من القبائل أبرزها السواركة والرميلات والترابين والمساعيد وغيرها
*تقول دائرة المعارف البريطانية إن اسمها ربما يكون مشتقا من اسم أحد الآلهة القدماء في الشرق الأوسط وهما إله القمر سين
*تشتهر سيناء بأنها الأرض التي تلقى فيها النبي موسى الوصايا من الله، فضلا عن أنها شهدت رحلة العائلة المقدسة إلى مصر.
* أبرز المواقع في شبه جزيرة سيناء( مدن العريش ورفح وبور فؤاد و الطور
وشرم الشيخ وطابا ومنطقة جبل سانت كاترين).
*شبه جزيرة سيناء غنية بالثروة المعدنية من بترول ونحاس وفوسفات وحديد فضلا عن تنوع السياحة بها من سياحة ترفيهية ودينية وعلاجية ومغامرات.
تاريخ سيناء خلال القرن التاسع عشر
مع تولي محمد علي حكم مصر عام 1805 فى بداية القرن التاسع عشر بدأت مصر أحداثاً جديدة و تمتعت شبه جزيرة سيناء في عهد محمد علي بشهرة كبيرة ، ولاقت سيناء أهتماماً حيث :-
بدأ رجال العلم والمفكرون يوجهون إهتمامهم نحو تلك المنطقة
إنشائه لمحافظة العريش عام 1810 ضمن التشكيلات الإدارية التي وضعها في هذا العام ، والتي كانت تمثل أول شكل إداري منظم في سيناء في العصر الحديث، ولها إختصاصات وحدود إدارية.
ووضع تحت تصرف محافظ العريش قوة عسكرية لحماية حدود مصر الشرقية، وقوة نظامية لحماية الأمن داخل المدينة.
كما أنشأت نقطة جمركية ونقطة للحجر الصحي (كورنتينة) بالعريش.
أما الطور فقد كانت تابعة إدارياً لمحافظة السويس .
بينما أدخلت نخل ضمن إدارة القلاع الحجازية التي كانت تتبع قلم الروزنامة بالمالية المصرية.
في عام 1831 نظم محمد علي جيشاً برياً وآخر بحرياً بقيادة إبنه الأكبر إبراهيم باشا إلي الشام، وقد تألف هذا الجيش من 24 ألفا من المشاة و 80 مدفعا، وأتخذ الجيش البري طريق العريش.
وقام إبراهيم باشا بالعديد من الإصلاحات في سيناء بهدف خدمة قواته مثل:
رمم بئر قطية وبئر العبد وبئر الشيخ زويد .
كما أنشأ حركة البريد إلي غزة وجعل له محطات في بلبيس و قطية وبيرالعبد و بير المزار و العريش و الشيخ زويد وخان يونس وغزة.
كما وضع حراسة علي آبار المياه علي طول طريق العريش.
تمرد عربان السواركة والترابين من قبائل سيناء
وعند رجوع إبراهيم باشا من حملته علي الشام عام 1831 ثار عليه عربان السواركة والترابين فخربوا محطات البريد في الشيخ زويد وبيرالمزار فأضطر إبراهيم إلي قتالهم ، ووقعت معركة بين قواته وقوات الترابين والسواركة عند وادي غزة ، فأنهزمت قوات العربان وفروا إلي بئر السبع.
وربما تكون الأسباب الحقيقية لتمرد هؤلاء العربان هى سياسة محمد علي ذاتها ، حيث كان يريد إخضاع هؤلاء القبائل لسلطته ، حتى يوطد الأمن علي الطريق المؤدي إلي الشام، خاصة وأنهم كانوا دائمي السلب والنهب للقوافل والتجار الذين يرتادون هذا الطريق.
وفي عام 1834 جهز محمد علي قوة من عربان أولاد علي بقيادة أحمد المقرحي شيخ القبيلة، والشيخ هنداوي شيخ قبيلة الجميعات لوضع حد لعصيان عربان غزة، فألحقت هذه القوات هزيمة ساحقة بعربان غزة، ونهبت بيوتهم وماشيتهم، وقد منح محمد علي كل فرد من القبائل التي شاركت في الحملة 500 قرش مكافأة له علي هذا النصر الحاسم علي عربان غزة.
مؤتمر لندن في 15 يوليو 1840
وقد كانت طموحات محمد علي خاصة بعد الإنتصارات التي حققها إبراهيم باشا علي الجيوش العثمانية في شمال الشام وآسيا الصغري، سبباً في إثارة ما سمي بالمسألة الشرقية، وعقدت الدول الأربع وهي بريطانيا وروسيا وبروسيا والنمسا بمشاركة الدولة العثمانية مؤتمرا في لندن في 15 يوليو 1840 تعهدت بمقتضاه الدول الأربع بمساعدة السلطان علي إخضاع محمد علي ، وتنص المعاهدة على :
* يمنح محمد علي ولاية مصر وعكا طيلة حياته.
* لمصر حق الإستقلال الداخلي بقيود تربطها بالدولة العثمانية كالجزية وعدم تمثيل مصر في الخارج ، وتحديد عدد الجيش إلي غير ذلك .
ومنح محمد علي مهلة للموافقة علي المعاهدة ، ولم يكن أمامه بد من التسليم بها، خاصة بعد أن تخلت عنه فرنسا
فرمان في 13 فبراير 1841
أرسل السلطان إلي محمد علي فرماناً في 13 فبراير1841 تقرر فيه إعطاؤه وأسرته
حكومة مصر وراثية علي أن يختار الباب العالي من يتقلد منصب الولاية من أبناء محمد علي الذكور، و من ثم صار إعطاء مصر وتقرير الحكم الوراثي بهذا الشكل منحة من السلطان العثماني.
وبموجب معاهدة لندن 1840 وفرمان 1841 باتت دولة محمد علي محصورة داخل حدود مصر التي حددها الفرمان من رفح حتى الوجه علي الساحل الشرقي للبحر الأحمر وفقاً لخريطة مرفقة بالفرمان والتي لم يعثر عليها حتى الآن ، كما أعطي الفرمان لمحمد علي بعض النقاط الإستراتيجيةعلي الساحل الشرقي لخليج العقبة وهي العقبة وضبا والمويلح الوجه
فترة حكم عباس الأول (1848 – 1854م)
وخلال هذة الفترة لاقت سيناء من الخديوى عباس إهتماماً من نوع جديد
حيث فكر أن يجعلها مصيفاً ومزاراً سياحياً
فبني بالقرب من الطور حماما كبريتياً.
مهد الطريق من دير سانت كاترين إلي قمة جبل موسى لجذب السياحة إلي المنطقة المقدسة.
فكر في بناء قصر علي جبل " طلعة " غربي جبل موسى.
ومد طريق العربات من مدينة الطور إلي القصر.
لكن لم يقدر لهذه الأعمال أن تنفذ، حيث عاجلته المنية قبل أن يتمها.
فترة حكم محمد سعيد (1854 - 1863)
أقام في سيناء نقطة للحجر الصحي في الطور، بهدف التأكد من سلامة الحجاج.
فترة حكم إسماعيل (1863 – 1879م)
وخلال فترة حكم إسماعيل حدثت عدة أحداث متصلة بسيناء أهمها
في عام 1865م أدخل أول خط تلغراف في سيناء وهو خط العريش الذي يربط بين مصر والشام.
الزيارات العديد من الرحالة إلي سيناء وكان أهمهم البروفيسير/ بالمر Palmer حيث أرسلته بريطانيا عام 1868م علي رأس لجنة علمية للتنقيب في منطقة الطورو رسم خريطة لسيناء.
إفتتاح قناة السويس للملاحة عام 1869م ، التي كان لإنشائها أثراً هاماً علي مجتمع سيناء وكان من نتائج إقامة هذا الممر الملاحي المهم أن أنشأت عدداً من المدن علي ضفتي القناة فقد ( أنشئت الإسماعيلية في منتصف القناة تقريباً- كما أنشئت مدينة جديدة علي طريق العريش وهي مدينة القنطرة).
فترة حكم الخديوي توفيق1879-1892م
إحتلت إنجلترا مصر عام 1882 والذي أندلعت في عهده الثورة العرابية.
أولت إدارة الإحتلال أهمية كبرى لشبه جزيرة سيناء بما يتفق مع مصالحها ورؤيتها الإستراتيجية ، والتى تتبعها إجراء تعديلات إدارية في سيناء.
ألحقت إدارة الإحتلال بلاد التيه بوزارة الحربية إدارياً ومالياً وعسكرياً وكانت تحت إشراف سردار الجيش المصري وإمرة إدارة المخابرات بالقاهرة.
أما منطقة الطور فقد ألحقت إدارياً بإدارة بلاد التيه برئاسة قومندان شبه جزيرة سيناء.
وأتخذو نخل مركزاً لها حيث تتمع بموقع إستراتيجي يحكم طرق المواصلات في سيناء.
أما منطقة العريش، ولأسباب خاصة بالتكوين الديموجرافي وطبيعته ، ألحقت بوزارة الداخلية، ولها محافظ يعين من القاهرة ويعاون رجال الشرطة.
كما أنشئ عام 1897 خط تلغراف آخر من السويس إلى الطور ثم إلى المحجر.
أي تم تنظيم شبه جزيرة سيناء واقتسامها بين الإدارة المدنية والإدارة العسكرية،
وأصبحت كلها محافظة واحدة تخضع لنظام إداري وقضائي واحد.
وأضيفت نقاط بوليس في الطور والشط ونويبع ونخل والعريش ورفح والقصيمة، مشاش الكنتلة وثمد.
كما خصصت الحكومة المصرية رواتب لشيوخ القبائل لإكتساب ولائهم ، وللقضاء على ظاهرة النهب والسلب .
كما فرضت النظام العام لإستتباب الأمن والأستقرار بين القبائل في ربوع شبه جزيرة سيناء. .... وللحديث بقية
اترك تعليقك