كتب /شحاته زكريا
بعد مرور أكثر من 15 شهرا على اندلاع الحرب التي دمرت معظم البنية التحتية لقطاع غزة ، تظل الأسئلة المتعلقة بما سيحدث بعد انتهاء النزاع في صدارة اهتمامات المجتمع الدولي. لكن رغم إقرار هدنة وتوقيع اتفاقات وقف إطلاق النار فإن التحديات أمام غزة أكبر من مجرد استعادة الأمن. تعود أهمية هذا الوضع إلى حجم الدمار الذي خلفته الحرب والذي يطال كل جوانب الحياة هناك ، من المنازل إلى المدارس والمستشفيات ، وصولا إلى النسيج الاجتماعي الذي يعاني من آثار نفسية واجتماعية عميقة.
تأثرت غزة بشكل بالغ جراء الحروب المستمرة حيث يُقدر أن أكثر من 60% من البنية التحتية قد تم تدميرها بشكل كامل. هذا يشمل آلاف المنازل التي دُمرت إلى جانب المنشآت الحيوية مثل المدارس والمستشفيات التي كانت تملأ الحاجة القصوى لخدمة السكان المتضررين. بالإضافة إلى ذلك فقد خلفت الحرب خسائر بشرية ضخمة تجاوزت 45 ألف شهيد بينهم العديد من الأطفال ، فضلا عن آلاف المفقودين والمصابين. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات بل هي حياة أُسر تدمّرت وآمال تبخرت في لحظات.
إعادة إعمار غزة هي التحدي الأكبر أمام أي اتفاق للسلام أو وقف للأعمال العسكرية. وتُشير التقارير إلى أن عملية إعادة الإعمار ستستغرق ما بين 10 إلى 15 عاما في أحسن الأحوال. لكن الأمر ليس مجرد عملية بناء بل يتطلب استراتيجيات متكاملة لمعالجة الآثار النفسية والاجتماعية التي يعاني منها ملايين الفلسطينيين. وفقا للتقديرات يعاني نصف مليون فلسطيني من مشاكل نفسية نتيجة ما مرّوا به من رعب وألم بينما هناك أكثر من 17 ألف طفل يتيم فقدوا آباءهم، مما يزيد من تعقيد الصورة.
بالإضافة إلى التحديات الميدانية ، يظل من الضروري النظر إلى كيفية إدارة غزة بعد الحرب. فالتقسيمات السياسية بين الفصائل الفلسطينية تعني أن أي محاولة لإعادة الإعمار قد تصطدم بعقبات شديدة. تفرض هذه الواقعيات ضرورة وجود حكومة قادرة على ترتيب الأولويات وتنسيق الجهود المحلية والدولية لضمان فعالية الإجراءات. وقد كانت مصر قد لعبت دورا مهما في محاولات التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وهي الآن تتحمل مسؤولية كبيرة في تسهيل عملية المصالحة الفلسطينية التي قد تساهم بشكل كبير في تفعيل جهود إعادة البناء.
المصالحة الفلسطينية من الأمور الحاسمة في هذه المرحلة. فقد أصبح من الضروري أن تتضافر الجهود بين كافة الفصائل السياسية لتوجيه الأمور نحو إعادة بناء دولة فلسطينية قابلة للحياة. لا تقتصر هذه المهمة على إعادة بناء المباني فقط بل تشمل أيضاً إعادة بناء الثقة بين الأطراف المختلفة في المجتمع الفلسطيني. علاوة على ذلك ، يظل الحل السياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو السبيل الأهم لتحقيق الاستقرار ، ويبدو أن الطريق نحو حل الدولتين قد أصبح أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
لكن التحديات لن تتوقف عند حدود غزة فقط. فالوضع الإقليمي والدولي يشكل ضغوطا إضافية على عملية إعادة البناء. تداعيات الحرب على الاقتصاد الإقليمي وعلى الدول المجاورة ستكون شديدة حيث سيحتاج الجميع إلى إعادة التفكير في استراتيجية التعاون الإقليمي لضمان استقرار طويل الأمد. كما أن المساعدات الإنسانية الدولية ستظل تمثل دعما مهما لكنها لن تكفي وحدها لتحقيق الأهداف المنشودة.
يظل الأمر الأهم في هذه المرحلة هو كيفية إعادة الحياة إلى طبيعتها في غزة. العودة إلى منازلهم والعيش بشكل كريم لا يزالان من أهم أهداف سكان القطاع ، لكن طريق تحقيق هذا الهدف مليء بالعديد من التحديات. من دون دعم دولي حقيقي ومصالحة فلسطينية حقيقية، قد تبقى غزة محاصرة في دوامة من الأزمات التي لا نهاية لها.
إن ما بعد الحرب في غزة هو مرحلة تتطلب تضافر الجهود الدولية والمحلية بشكل غير مسبوق. قد تكون غزة قد عانت من دمار هائل ، ولكن الأمل في مستقبل أفضل يمكن أن يتحقق من خلال العمل المشترك والالتزام بالإعمار الجاد الذي لا يقتصر على إعادة بناء المباني فقط ، بل يشمل إعادة بناء الإنسان الفلسطيني نفسه.
اترك تعليقك