إيران وإسرائيل: لعبة الشطرنج في ميدان الصراع الإقليمي
كتب /شحاته زكريا
في ظل الصراعات المعقدة التي يشهدها الشرق الأوسط تظهر تحالفات وتحركات تبدو في ظاهرها غير متوقعة لكنها تكشف في عمقها عن أبعاد تكتيكية واستراتيجية تُحدد ملامح اللعبة السياسية في المنطقة .. أحد أبرز الأمثلة على ذلك هو العلاقة بين( إسرائيل وإيران )حيث شهد التاريخ مواقف وتصريحات لا تزال تلقي بظلالها على حاضر ومستقبل المنطقة.
تاريخ من التحولات
عند النظر إلى فترة الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، نجد أن إسرائيل قامت بتزويد إيران بالسلاح ، رغم عدائها المُعلن لإسرائيل منذ سقوط نظام الشاه وكان أرييل شارون ، وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك قد أوضح ببساطة أن هذا القرار جاء بناء على حسابات استراتيجية وتكتيكية دقيقة .. قال شارون: "استراتيجيا سأحارب إيران في المستقبل وتكتيكيا يهمني أن تحارب العراق بدلا مني".
هذه المقولة تلخص جزءا من الفلسفة الإسرائيلية في التعامل مع الأعداء ، حيث تُفضل إسرائيل دائما إشعال الحروب بين أعدائها لتخفيف الضغط عنها.
التغيير في موازين القوى
مع مرور الزمن تحولت موازين القوى والمواقف .. أصبحت إيران اليوم واحدة من أكبر داعمي المقاومة الفلسطينية، حيث تمدها بالمال والسلاح وتُعلن بوضوح عن حتمية زوال الكيان الصهيوني .. في الوقت الذي تراجعت فيه العديد من الدول العربية عن دعم القضية الفلسطينية ، برزت إيران كقوة مناصرة للحق العربي في فلسطين .. هذا التغيير في المواقف يجب أن يُنظر إليه بعين التحليل الدقيق ، دون أن نغفل عن الأبعاد الأيديولوجية والمذهبية التي تُعقد المشهد.
التصعيد الأخير: اغتيال إسماعيل هنية
اغتيال إسماعيل هنية في طهران يُعد حادثة فارقة تُظهر مدى تعقيد العلاقات الإسرائيلية الإيرانية وتأثيرها على الساحة الإقليمية .. هذا الاغتيال لم يكن مجرد تصفية حسابات ، بل هو محاولة إسرائيلية لنسف مفاوضات إنهاء الحرب بين الفلسطينيين والإسرائيليين. إنه تذكير آخر بمدى القسوة التي تُعامل بها إسرائيل خصومها ، وبالدعم الأمريكي اللامحدود الذي تتلقاه.
إعادة تقييم الاستراتيجيات
في ظل هذا السياق ، يجب على الدول العربية إعادة تقييم مواقفها واستراتيجياتها .. يجب أن تُدرك أن الخطر الإسرائيلي لا يزال هو التهديد الأكبر للأمن القومي العربي، وأن التفرغ لمحاربة "الخطر الفارسي" يجب أن يتم بوعي واستراتيجية تُوازن بين الحاضر والمستقبل .. إن الخلافات المذهبية والسياسية بين العرب وإيران لا يجب أن تعميهم عن الحقيقة الأساسية، وهي أن إسرائيل تظل العدو المشترك الذي يسعى لتفتيت المنطقة وزرع الفتنة بين شعوبها.
التحالفات الممكنة
كما قال ونستون تشرشل في معرض تبريره للتحالف مع ستالين لمواجهة النازية:
"أنا على استعداد للتحالف مع الشيطان من أجل بلدي".
هذا المنطق يُمكن أن يُطبق في السياق العربي الإيراني حيث يمكن أن يُشكل تحالف مؤقت بين القوى العربية وإيران لمواجهة الخطر الإسرائيلي .. إن هذا التحالف يجب أن يبنى على مصالح مشتركة واضحة وتفاهمات استراتيجية تضمن استقرار المنطقة.
في نهاية المطاف يظل المحرك الرئيسي للسياسات في الشرق الأوسط هو المصالح الاستراتيجية والتكتيكية. إن فهم هذه المصالح وتوظيفها بشكل صحيح يمكن أن يغير مجرى الأحداث ويُعزز من قوة ومكانة الدول في مواجهة التحديات.. لنترك الخلافات المذهبية والسياسية جانبا ونعمل على توحيد الصفوف لمواجهة التحدي الأكبر الذي يهدد استقرار وأمن المنطقة بأسرها.
اترك تعليقك