دكتور محمد محمود محمد ناصر أستاذ مساعد و دكتور التربية الفنية قسم العلوم الأساسية كلية التربية للطفولة المبكرة جامعة الفيوم .
لمراسلة الجريدة ..عهود حسن
التراث الحضاري وتأصيل الهوية الفنية برسوم الأطفال .
**************************
إن الفن التشكيلي هو جزء من ثقافة الناس وممارساتهم اليومية فإنه يشكل عنصر إتصال هام كما يشكل جزء من البيئة التي يعيش فيها الإنسان .
أن الفن ليس لهوا أو ترفا مهما يكن هذا الترف رفيعا،فالفن ضرورة ملحة من ضرورات النفس البشرية في حوارها الدائم والمستمر مع الكون المحيط بها.
وأن ما يظهر من إختلاف في أشكال الفن في كل فترة من فترات الحياة،إنما يرتبط بفكر هذه الفترة ،فالأختلاف في الأشكال المرئية للفن إنما يرتبط بثقافة وسياسة كل فترة وفلسفتها ، وإن تغير الرؤية البصرية و إدراك الفنان وإختلاف المنتج الفني من فترة إلى أخرى إنماينبع من التغيرات السريعة والمتلاحقة للعصر الذي نعيش فيه والذي يتسم بالإنفجار المعرفي و الثورة التكنولوجية التي تتضاعف كل سبعة سنوات على الأقل.
و لقد أصبح من المتطلبات الأساسية التي يفرصها هذا العصر على المؤسسات التربوية أن يكون لها أيديولوجية فكرية و فنية عميقة هادفة إلى تكوين المتعلم الإيجابي المفكر والمتأمل القادر على التكيف
مع مستحدثات العصر الراهن و مواجهة التكنولوجيا الحديثة وتحديات العولمة مع الإحتفاظ بأصالته و هويته الفنية والشخصية .
و نظرا لما أشارت إليه الكثير من البحوث و الدراسات التربوية من أهمية السنوات الخمس الأولى في تشكيل حياة الطفل فلابد من الإهتمام
بتمية مهاراته الفكرية و الفنية لمجابهة هذا التطور و الخروج من التبعية الغربية و التمسك
بأصول هويتها الفنية و الحضارية .
و لما كانت رسوم الأطفال في مراحلهم المتقدمة تمثل اللغات الخاصة بهم و التي تنبع من الفطرة و الخيال الحر للأطفال حيث يعبرون بها عما يجول في خواطرهم وما يشعرون به نفسيا من سعادة وفرح أو غضب حتى تغير إجتماعي وثقافي للمجتمع والبيئة التي يعيشون فيها.
لذا كان لذاما على معلمات رياض الأطفال و خاصة معلمي التربية الفنية أن يبذلوا كل مالديهم للتعرف على رسوم الأطفال و الرموز و العناصر التي يرسمها الأطفال و إدراكها من الناحية النفسية و الإجتماعية و مساعدتهم في التعرف على مظاهر البيئة المحيطة بهم وعناصرها وأشكالها و كيفية التمييز بينها وعليهم أيضا أن يساعدوهم في التعرف على الرموز و العناصر المحتلفة من التراث ليغرسوا في أذهانهم الوعي الفكري و الثقافي نحو تراثنا الحضاري وذلك من خلال عرض صور و رسوم مبسطة يمكن أن يستوعبها الأطفال و يجب أن تصاغ في قوالب فنية تخاطب عقلية ومستوى الطفل حيث يمكنها أن تواجه الفنون الغربية التي يعمد عليها الأطفال على مشاهدتها بصفة مستمرة من خلال التلفاز أو من وسائل التكنولوجيا المختلفة.
السبل التي يتعين علينا أن نسلكها للحفاظ على الهوية الفنية برسوم الأطفال هي :
أولا :الأهتمام بتطوير التعليم بشكل عام،و الفنون بشكل خاص ،و النهوض به و تحديث مناهجه و برامجه،و تربية الأجيال على ثقافة العصر وفتح آفاق المعرفة أمامهم
ثانيا :التحرر من التأثير الفني الوافد من الغرب و التمييز بين الدخيل و الأصيل في فنون الأطفال و كذلك توضيح معالم الهوية القومية من خلال توسيع البحث وتعميقه في مجال التراث الحضاري العريق .
ثالثا:الأهتمام بالقيم الأخلاقية والمباديء الدينية كتواصل حضاري بشكل أكبر في عصر إغترابي من خلال الأنشطة الفنية و الرسوم الإبداعية للأطفال.
رابعا:إن مجتمعنا في حاجة ماسة إلي تنمية الإحساس الأخلاقي و الجمالي و تذوق الفنون،و بخاصة فن الحضارات التي تميزه عن غيره لما لها من دور إيجابي في بث و غرس العديد من القيم و المبادئ المؤثرة على شخصية الأطفال و تحديد هويتهم الفنيةو القومية .
خامسا :أن تذوق فنون التراث هي بمثابة رسالة لمضمون جمالي وأخلاقي لذلك فإنه من واجبنا أن نعمل على تنمية التذوق الفني لدى أفراد المجتمع وخاصة الأطفال بصفتهم النواة البكر لهذا المجتمع وتشجيع قدراتهم على الإحساس بالجمال والإبداع في كل ما يحيط بهم من مظاهر الطبيعة ،و ذلك بتطبيق سياسة التوجيه والإرشاد الفني عليهم منذ نعومة أظافرهم ،و تربيتهم على إحترام القيم الفنية و الجمالية ،و كذلك تعودهم على الإحساس بالجميل ،و تنمية روح النقد الفني ،الذي يسهم في تقدم الحضارة المادية التي غشيتها مسحة صناعية آلية،نتيجة التقدم العلمي والتكنولوجي الذي كان من نتائجه إهمالتنمية الإحساس الجمالي و الأخلاقي و الفني لدى الأطفال.
سادسا :على القائمين على تعليم الفنون بمرحلة رياض الأطفال الإهتمام بشكل أكبر بتنمية المفهوم العقلي للهوية الفنية لدى الأطفال بمختلف فئاتهم العمرية ،و بمختلف وسائل الإتصال المتاحة لهم ،فالعودة إلى التراث الحضاري تجعلنا نستشعر إحساسنا بهويتنا نحو هذا الوطن و بقيمة الجذور الأصلية التي ننتمي إليها علميا وثقافيا.
وبإنتهاج هذه السبل تتقوى وتتأصل الهوية الفنية و الذاتية الثقافية لدى أطفالنا ،و تصان الهوية الحضارية وتحفظ الحقوق وتعزز الأمة المصرية في الساحة الدولية فاعلة بعاداتها و قيامها وأخلاقها و سلوكياتها مؤثرة و مساهمة في الحضارة الإنسانية الجديدة .
اترك تعليقك