كتب /شحاته زكريا
مع كل منعطف تاريخي تمر به المنطقة ، تظهر أسئلة مهمة تتعلق بمستقبل الشرق الأوسط والصراع الدائر فيه. ما شهدناه منذ ثورة الملالي في إيران عام 1979 وصولا إلى أحداث أكتوبر 2023 ، يؤكد أن المنطقة ليست إلا ساحة مفتوحة لمخططات دولية وإقليمية تحاول إعادة رسم خريطتها الجيوسياسية. لكن في خضم هذه التحولات يبقى السؤال الأبرز: إلى أين تتجه المنطقة وما هو الدور الذي يلعبه كل طرف؟
من هو العميل ومن هو الخائن؟
تلك التساؤلات حول من هو العميل ومن هو الخائن لم تعد تقتصر على مواقف فردية أو كيانات معزولة، بل امتدت لتشمل تكتلات سياسية وأنظمة دولية وإقليمية. مع كل صراع جديد يتضح أن هناك تواطؤا بين أطراف مختلفة لتحقيق أجندات معينة. ما نشهده ليس مجرد لعبة سياسية عابرة ، بل منظومة معقدة من التحالفات التي تشكلت على مدى عقود لتغيير وجه المنطقة.
العمالة هنا لم تعد مقصورة على خيانة سياسية عابرة، بل باتت جزءا من عملية واسعة تشمل تفكيك دول ، وإضعاف مؤسساتها الوطنية وتشتيت شعوبها عبر صراعات طائفية وسياسية، وفتح المجال أمام التدخلات الخارجية. ومع ذلك يبقى السؤال الذي لا يغيب عن الأذهان: هل انتهى الدور والوظيفة التي خُططت لبعض اللاعبين، وهل أتى الوقت للتخلص منهم؟
تآكل السيادة الوطنية
أحداث العقود الماضية لم تكن مجرد تفاعلات داخلية بين دول وشعوبها، بل كانت نتاج مؤامرات متشابكة تسعى لتمزيق النسيج الوطني للدول وتفتيت المجتمعات. ضرب السيادة الوطنية للعديد من الدول العربية عبر التدخلات العسكرية والاقتصادية الخارجية وخلق حالة من الفوضى الداخلية جعل الأوطان مجرد أدوات في لعبة أكبر. هذه الأوطان التي شُرِّدت شعوبها، وذابت مؤسساتها كانت دائما الثمن الفادح الذي دفعته المنطقة في ظل سياسات العمالة والخيانة.
القضية الفلسطينية: محاولة محو الهوية
في خضم هذا الصراع تظل القضية الفلسطينية المحور الأساسي الذي تسعى القوى الخارجية لمحو أثره من الوعي العربي. المحاولات المستمرة لتصفية القضية تحت ذرائع واهية ما هي إلا جزء من هذا المخطط الواسع. الاحتلال الإسرائيلي وجد في هذه التحولات فرصة ذهبية للتوسع وتعميق نفوذه بينما انشغلت الدول العربية بحروبها الداخلية وصراعاتها الإقليمية. هنا يجب أن نتساءل: هل هذه الفوضى جزء من خطة أوسع تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية من الساحة العربية والدولية؟
المخطط: إلى أين؟
المخطط الذي بدأ منذ عقود لا يزال مستمرا حتى اليوم. وما يحدث من إعادة رسم للتحالفات الإقليمية والدولية ما هو إلا جزء من هذا المسار. المنطقة ليست في منعطف جديد بل في قلب خطة طويلة الأمد تهدف إلى إعادة تشكيلها وفقا لمصالح قوى كبرى. توازنات القوة تُرسم من جديد والتحالفات القديمة تموت لتنشأ تحالفات جديدة تخدم أجندات مرحلية.
ولكن يبقى السؤال الحاسم: هل ستكون شعوب المنطقة قادرة على مواجهة هذه المؤامرات؟ وهل ستتمكن من إعادة بناء دولها وفق رؤى جديدة تحفظ سيادتها وتعيد للقضية الفلسطينية مكانتها؟
وفي الأخير إن العمالة والخيانة ليست مجرد كلمات تُردد في الخطابات السياسية ، بل هي جزء من واقع نعيشه في كل يوم. وما يحدث في الشرق الأوسط اليوم هو نتاج طبيعي لهذه العمالة التي بدأت منذ عقود. الأوطان تُدمر ، والشعوب تُشرد ، والقضية الفلسطينية تُمحى تدريجيا من الذاكرة الجماعية. الحل لن يكون في الانتظار بل في التحرك برؤية جديدة تعيد ترتيب أوراق المنطقة بما يخدم مصلحة شعوبها ويحفظ سيادتها.
لن يكون المستقبل سهلا ولكن الوعي بالمخططات والأهداف هو الخطوة الأولى نحو مقاومة هذه الهجمة المستمرة على المنطقة، والعودة إلى أسس بناء دولة عربية قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
اترك تعليقك