كتب/شحاته زكريا
في عالم يتغير بوتيرة متسارعة تظل الفرص سانحة لمن يمتلك الرؤية والقدرة على استغلال التحولات وتحويلها إلى مكاسب استراتيجية. مصر بتاريخها العريق وموقعها الاستراتيجي تقف اليوم عند مفترق طرق اقتصادي يمنحها فرصة ذهبية لتكون الوجهة الاستثمارية الأبرز في المنطقة. وسط الأزمات الاقتصادية العالمية والتغيرات في أنماط التجارة والاستثمار ، يبرز المشهد المصري كأحد الأسواق الناشئة التي تحمل إمكانات هائلة للنمو، ما يجعلها محط أنظار الشركات العالمية التي تبحث عن بيئة جاذبة ومستقرة.
لم يكن عام 2024 عاما سهلا على الاقتصاد العالمي ، حيث شهد انخفاضا في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، وتزايدت الأزمات الجيوسياسية التي أثرت على حركة التجارة وسلاسل الإمداد. ومع ذلك فإن هذه التحديات خلقت فرصا جديدة حيث أصبح الاستثمار الصناعي والتحول الرقمي محورين أساسيين لجذب رؤوس الأموال. في هذا السياق تمتلك مصر العديد من المقومات التي تؤهلها للاستفادة من هذه التحولات خاصة مع توسعها في مشروعات البنية التحتية وتحديث منظومة التشريعات الاقتصادية.
الموقع الجغرافي لمصر يمنحها ميزة تنافسية كبيرةخصوصا مع تصاعد الحرب التجارية بين القوى الاقتصادية الكبرى ، ما يدفع الشركات العالمية إلى البحث عن أسواق جديدة للوصول إلى أوروبا وأمريكا. مصر بفضل اتفاقياتها التجارية، وقناة السويس التي تمثل شريانا رئيسيا للتجارة الدولية، تمتلك فرصة ذهبية لجذب هذه الاستثمارات. ومع تطوير المناطق الاقتصادية الخاصة والموانئ تصبح البلاد مؤهلة للتحول إلى مركز إقليمي للصناعة والتجارة.
التحول الرقمي أصبح أحد أهم العوامل المؤثرة في جذب الاستثمارات حيث باتت الشركات العالمية تبحث عن بيئات تمتلك بنية تحتية رقمية متطورة. في هذا الإطار فإن التوسع في رقمنة الإجراءات الحكومية وتسهيل عمليات التسجيل والتراخيص يمثل خطوة مهمة في تعزيز مناخ الاستثمار. كذلك فإن العملات المشفرة التي شهدت ارتفاعا كبيرا في حجم التعاملات بها عالميًا، يجب أن تكون محل دراسة دقيقة في مصر ، حيث يمكن أن توفر أدوات دفع جديدة وتساهم في جذب مزيد من التدفقات المالية خاصة في ظل التغيرات التي يشهدها النظام المالي العالمي.
الأحداث الإقليمية كان لها تأثير مباشر على الاقتصاد المصري حيث أثرت الحرب في غزة على حركة الملاحة في قناة السويس ما أدى إلى تراجع الإيرادات. ومع ذلك فإن انتهاء هذه الأزمات سيعيد الأمور إلى طبيعتها ما يمنح مصر فرصة لتعويض الخسائر وتعزيز استثماراتها في الموانئ والمناطق اللوجستية. ومع خطط تطوير منطقة السخنة الاقتصادية وتحويلها إلى مركز إقليمي للصناعة والخدمات تصبح مصر أكثر جاذبية للمستثمرين الباحثين عن قاعدة انطلاق نحو الأسواق الإفريقية والعربية.
التغيرات التي يشهدها الاقتصاد العالمي ستعيد رسم خريطة التجارة والاستثمار خلال السنوات القادمة، ومن يمتلك القدرة على قراءة المشهد واستغلال الفرص سيكون الكاسب الأكبر. مصر لديها كل المقومات التي تجعلها وجهة استثمارية متميزة ، لكن تحقيق هذا الهدف يتطلب سياسات اقتصادية مرنة، وإصلاحات مستمرة وخطوات جريئة لتقليل العقبات البيروقراطية وتحفيز القطاع الخاص. تحسين مناخ الاستثمار، وخفض تكاليف التمويل، وزيادة الشفافية، كلها عوامل ستحدد مدى قدرة مصر على جذب رؤوس الأموال وتحقيق نمو اقتصادي مستدام.
المستقبل يحمل الكثير من التحديات لكنه أيضا مليء بالفرص. مصر أمامها فرصة حقيقية للتحول إلى مركز استثماري عالمي ، لكن الأمر يتطلب إرادة قوية ورؤية واضحة وإجراءات تنفيذية فعالة. الدول التي تنجح في استغلال الأزمات لصالحها هي التي تصنع مستقبلها، ومصر لديها كل الإمكانيات لتكون واحدة من تلك الدول إذا أحسنت إدارة المرحلة القادمة بذكاء ومرونة.
اترك تعليقك