أزمة الديون في البلدان النامية صرخة استغاثة في عالم متغير
بقلم /د.شحاتة زكريا
على الرغم من فداحة خسائر البلدان النامية جرَاء أزمة الديون ، فلا تجد للأمر الاهتمام المستحق ، مقارنة بأزمات سابقة عصفت بفرص التنمية .. فقد شهدنا على مدار عقود سابقة أزمات الديون الإفريقية واللاتينية في السبعينيات والثمانينيات ، ثم أزمة الأسواق الآسيوية الناشئة في تسعينيات القرن الماضي. . واليوم نجد أن فوائد الديون عام 2024 قد تجاوزت تكاليفها نصف إيرادات الموازنات العامة للبلدان المدينة ، مرتفعة بحدة عن متوسطات السنوات السابقة على عام 2020.
يذكرنا تقرير حديث لـ"أونكتاد" بدرس تاريخي مهم .. فقد وضعت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية حدا أقصى على ألمانيا الخاسرة لخدمة ديونها الخارجية ، مقداره 5 في المائة فقط من إجمالي حصيلة صادراتها .. كان الهدف واضحا: عدم إعاقة إعادة البناء والتعافي من آثار الحرب. لكن اليوم نجد أن البلدان الأقل دخلا تدفع 23 في المائة من إيرادات صادراتها ، بينما تنفق البلدان ذات الدخل المتوسط المنخفض 13 في المائة.
هذا التباين الصارخ يدفعنا للتساؤل: أين ذهبت الحكمة التي تحلت بها قيادات الدول المنتصرة بعد الحرب العالمية الثانية؟ لقد تعلموا من درس اتفاقية فرساي، التي فرضت أعباء باهظة على ألمانيا المهزومة في الحرب العالمية الأولى، مما تسبب في كوارث اقتصادية من غلاء وبطالة ، مع تداعيات سياسية خطيرة صعدت باليمين النازي.
في عالمنا اليوم للأسف، هناك من يملك في مراكز القوة إلحاق الضرر بغيره ، حمقا ورعونة، دون الالتفات لتداعيات السياسات البائسة على البلدان النامية. لا يبدو أن هناك اهتماما حقيقيا إلا عندما تطرق أبواب الدول الغنية موجات المهاجرين المضطرين. وحتى في هذه الحالة فإن بلدان الجنوب هي الخاسر الأكبر بهجرة بعض من أفضل عقولها وأكثر شبابها لياقة وقدرة.
لا يمكننا إلقاء اللوم كله على العوامل الخارجية. نعم ، الجائحة والحروب والصراعات الجيوسياسية والتغيرات المناخية لعبت دورا في تفاقم الأزمة .. لكنها ليست وحدها المسؤولة. فقد كانت هذه الصدمات الخارجية "منشئة" لبعض الديون، و"كاشفة" لما ارتكبته بعض البلدان النامية من إفراط في الاستدانة، و"معجِّلة" بأزمات للديون كانت ستقع حتما.
اليوم تواجه البلدان النامية تحديا جديدا يتمثل في ظاهرة "أسعار فائدة أعلى لفترة أطول". هذا يعني أن تكلفة الاقتراض لن تعود رخيصة كما كانت قبل الصدمات الخارجية. ومع ذلك فإن بعض هذه البلدان لا تزال تتلهف للولوج إلى أسواق الديون مرة أخرى، كالمدمن الذي لا يعبأ إلا بجرعته التالية.
في الختام يجب علينا إدراك أن الديون ليست علاجا، بل هي في كثير من الأحيان أصل الداء. سواء كان الهدف هو التنمية أو التصدي لتغيرات المناخ أو حتى سداد مديونية قديمة، فإن الاقتراض المستمر ليس الحل. ما نحتاجه حقا هو نهج بديل لتمويل النمو والتنمية، نهج يأخذ في الاعتبار الدروس التاريخية ويراعي الظروف الحالية للبلدان النامية. فقط عندها يمكننا أن نأمل في كسر حلقة الديون المفرغة وتحقيق تنمية مستدامة وعادلة للجميع.
Ahmed marouf الأحد 14 يوليو 2024 03:29 م
فعلا يجب العمل بقوه على التفكير فى سبل للتنميه المستدامة بعيد عن الغرق فى دوامه الديون التى لا سبيل للهروب من فوائدها..