هند الصنعاني: المسيرة الخضراء علمت العالم كيف نصنع السلام في زمن الحروب
يحتفل المغرب في 6 نوفمبر كل سنة بيوم المسيرة الخضراء، هذا الحدث الفريد والمميز الذي استطاع من خلاله المغرب استعادة صحرائه التي كانت تحت الاستعمار الإسباني من دون إطلاق رصاصة واحدة، بفضل ما كان الملك الحسن التاني يتمتع به من حكمة وقدرة على استيعاب التوازنات الإقليمية والدولية في إبانه،جريدة السياسة والطاقة التقت بالكاتبة والإعلامية المغربية هند الصنعاني التي تحدث عن ذكرى المسيرة الخضراء وعن قيمتها التاريخية لدى الشعب المغربي، وعن الإنجازات التي تحققت بعد عودة الصحراء إلى أحضان المغرب.
س/فى ذكرى المسيرة الخضراء التي يحتفل بها المغاربة يوم السادس من نوفمبر ...كلمينا عن هذا الحدث الفريد والهام.
هو حدث أبدعته عبقرية الملك الحسن التاني المشهود له له بالذكاء السياسي والدبلوماسي، عبارة عن صورة رائعة تجسد تلاحم ملك وشعبه، عندما نادى بالمسيرة الخضراء سنة 1975، لبى النداء 350 ألف متطوع نساء ورجالا،انطلقوا من مدينة طرفاية مصممين على تحريرجزء من وطنهم من براثن الإستعمارالإسباني، وكان درسا للعالم عن كيفية صناعة السلام في زمن الحروب، حينها لم يكن الملك الحسن التاني يحافظ على مصالح المغرب وحقوقه الوطنية وأمنه فحسب، بل كان يحافظ أيضا على أمن كل دولة من دول المنطقة.
س/هل تم توزيع السلاح على المتطوعين؟
الحقيقة أن سلاحهم كان خاصا غير معهود في الحروب قوامه كتاب الله والأعلام المغربية والإيمان الراسخ بعدالة القضية، وهذا ما أكد عليه الملك الحسن التاني في خطاب له: "إذا لقيتم اسبانيا، عسكريا أو مدنيا، فصافحوه وعانقوه، واقتسموا معه مأكلكم ومشربكم، وادخلوه مخيمكم، فليس بيننا وبين الإسبان غل أو حقد، ولو أردنا أن نحارب الإسبان لما أرسلنا عزلا، بل جيشا باسلا..."
س/كيف مولت المملكة المغربية هذه المسيرة اقتصاديا وطبيا؟
الحقيقة أن المملكة المغربية رصدت إمكانيات مادية مهمة لتحقيق المسيرة الخضراء، حيث تم تموين المتطوعين بالأغذية والمياه وأدوات الطبخ والنظافة والمحروقات والأغطية فضلا عن وسائل النقل، حيث سخرت لهذا الموضوع 12 ألف شاحنة، 112 قطاروأيضا تعبئة 230 سيارة إسعاف و 470 طبيبا، أما عن المواد الغذائية فقد وصلت إلى 17 ألف طن حيث تم توفير 3 وجبات يومية، كما تم الحرص على توفير 10لترات من المياه لكل شخص، وتم تسليم المتطوعين 400 الف من الأغطية و20 ألف إبريق شاي وأواواني القهوة ، و4500 طن من الدقيق و2500 طن من الزيت، و15000 طن من السردين المعلب، و900 طن من التمور، و17مليون لتر من الوقود.
س/ما موقف الجزائر والإسبان من المسيرة الخضراء، كيف كانت الكواليس؟
قبل أن يعطي الحسن التاني أوامره بانطلاق المسيرة الخضراء، كانت منطقة الصحراء تعرف صراعا كبيرا بين أربعة أطراف، المغرب، جبهة البوليساريو وحليفتها الجزائر، موريتانيا واسبانيا، في هذه الأثناء كانت اسبانيا تبحث عن الخروج من الصحراء بأقل الخسائر نظرا لتدهور أوضاعها السياسية، فهي كانت تعيش مرحلة التحضير لانتقال الحكم من الجنرال فرانكو الذي كان على سرير الموت، وجاء الإعلان عن المسيرة الخضراء بضربة ذكية من الحسن التاني، أجبرت المحتل الإسباني الجلوس على طاولة المفاوضات مع المغرب وموريتانيا في اتفاقية مدريد، حيث خرج المغرب الرابح الأكبر من هذه الإتفاقية بعد انسحاب موريتانيا من الجزء الجنوبي للصحراء واستعاد وفقا للشرعية الدولية هذا الجزء من ترابه الوطني سنة 1979، هذا الانتصار المغربي لم يرق للرئيس الجزائري الهواري بومدين الذي استعمل كل الوسائل لتقوية شوكة البوليساريو ودعمها ماديا وبالسلاح.
س/كيف يعيش اليوم هؤلاء الانفصاليون؟
الحقيقة هم اليوم يعيشون في مخيمات تندوف حيث يمارس عليهم كل أشكال العنف والقهر، من اختطاف للنساء واغتصابهم من قيادات هذه الجبهة، أيضا يتم استغلال الأطفال والزج بهم في الإقتتال المسلح، كما يتم أيضا نهب المساعدات الإنسانية الموجهة للساكنة المحتجزة في هذه المخيمات وأبرز ذلك برنامج الأغدية العالمي في تقريره الصادر في يناير 2023، هي اليوم تتاجر مع الأسف بأحلام سكان تندوف، حولت أبناء الصحراء المغربية إلى أسرى في أيادي هذه المرتزقة، لقد تم إدانة كل هذه الفظاعات من قبل ممثلوا عدد من منظمات حقوق الإنسان أمام اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة،
س/هل حققت المسيرة الخضراء أهدافها
بالتأكيد حققت كل أهدافها، ففي اليوم التاسع من نوفمبر من العام نفسه أعلن الملك الحسن التاني أن المسيرة الخضراء حققت المرجو منها، واليوم خريطة المغرب مكتملة فيما يخص الأقاليم الجنوبية، صحيح خلال الخمسين سنة تغيرت أمورا كثيرة لكن ما لم يتغيرأن الصحراء مغربية والمسيرة إلى اليوم مستمرة في النضال للحفاظ عن الوحدة الترابية، وهذه السنة الاحتفالات لها نكهة خاصة في ضوء ما حققه المغرب من نجاحات دبلوماسية تعد ثمرة عمل دؤوب ومثابر، حيث تتوالى الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء لتصل إلى 164 دولة، أي 85% من المجتمع الدولي لا يعترف بالكيان الانفصالي، وأكثر من 112 دولة حول العالم تدعم مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية أي ¾ من الدول الإفريقية.
س/ماذا تعني مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية؟
سأستشهد بقول السفير المغربي لدى الأمم المتحدة السيد عمرهلال للتعريف بها:"إنها مبادرة توافقية وخلاقة، مسؤولة ومنفتحة، ستمكن، بالنظرلمضمونها وغايتها، جميع الصحراويين، سواء منهم المقيمون داخل المملكة، أو الموجودون بالخارج، من التدبير الديموقراطي لشؤونهم المحلية، من خلال هيئات تمثيلية، تشريعية وتنفيذية، وقضائية، كما تتيح هذه المبادرة تجسيد مبدأ تقرير المصير، من خلال تعبير حر ديموقراطي وعصري، بشأن نظام الحكم الذاتي، وهي بذلك مطابقة للشرعية الدولية، مستوعبة للقواعد والمعايير العالمية المعمول بها، في مجال الحكم الذاتي، فضلا عن كونها تكفل احترام حقوق الإنسان وتعزيزها، كما هي متعارف عليها عالميا، وكما يكرسها دستورالمملكة."
استطاع هذا المقترح أن يحصد دعما دوليا متزايدا، فهو يتطرق لمختلف الجوانب، فالمغرب سيكفل من خلال نظام الحكم الذاتي لكافة الصحراويين مكانتهم اللائقة، وسيضمن لهم تدبير شؤونهم بشكل ديموقراطي عبر هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية.
أيضا ما يعزز صدقية المبادرة المغربية، كونها تقترح على الأطراف بعد موافقتهم عليها، إنشاء مجلس انتقالي، مكون من ممثليها، يسهر على تدبير عودة سكان المخيمات إلى الوطن، ونزع السلاح والتسريح، وإعادة إدماج العناصر المسلحة التي توجد خارج تراب الجهة.
س/هل الصحراء المغربية تشكل اليوم نهضة اقتصادية ونقطة جذب هامة للمستثمرين؟
سؤالك سيدي جواب، بالفعل، ومنذ تولي الملك محمد السادس العرش، أولى عناية خاصة من أجل بناء وتأهيل الأقاليم الجنوبية من خلال إطلاق عدد من المشاريع متعلقة بالبنايات التحتية الضرورية ومخططات استراتيجية كبرى موجهة أساسا لتنمية الصحراء المغربية والمواطن الصحراوي، حصيلة 25 سنة من حكم العاهل المغربي هي حصيلة مشرفة تدعونا إلى الإفتخار بالانتماء إلى المملكة المغربية، اليوم يتم بناء في مدينة الداخلة أكبر ميناء للشحن على المستوى الإفريقي، أيضا يتم إنشاء أطول خط أنبوب غاز بحري في العالم، يربط بين نيجيريا والمغرب، والذي يرتقب أن يمر عبر 13 دولة على طول ساحل الغرب الإفريقي وصولا إلى أوروبا عبر المغرب ومشاريع عديدة تتبناها دول كبيرة.
أجرى الحوار.. خالد حسين البيومى
رئيس مجلس إدارة والتحرير لجريدة وموقع أخبار السياسة والطاقة
اترك تعليقك