كتب/شحاته زكريا
في كلمته أمام قمة مجموعة العشرين التي عقدت مؤخرا قدّم الرئيس عبد الفتاح السيسي رؤية شاملة لمواجهة القضايا الإنسانية والتنموية التي تواجه العالم في الوقت الراهن وتحديدا في مجالات مكافحة الجوع والفقر. هذه القضايا أصبحت من أبرز التحديات التي تهدد استقرار المجتمعات الإنسانية ، في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تمر بها العديد من الدول. وأوضح الرئيس السيسي في كلمته أن التصدي لهذه الأزمات يتطلب تحركا مشتركا بين الدول ، سواء كانت متقدمة أو نامية لتعزيز التعاون الدولي خاصة في إطار الشراكات الفاعلة التي يمكن أن تساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
الرئيس السيسي أكد في بداية كلمته على أهمية الشراكة العالمية في مواجهة التحديات المرتبطة بالجوع والفقر. وأشار إلى أن مصر باعتبارها دولة نامية ، تؤمن أن التنمية المستدامة تتطلب جهدا جماعيا من جميع الأطراف. ولفت إلى أن الدور الذي تلعبه الدول الكبرى في توفير التمويل الميسر والتقنيات الحديثة للدول النامية هو أمر حيوي لتحقيق التقدم في مجالات مثل الزراعة المستدامة والتعليم والصحة. كما شدد على ضرورة زيادة الدعم المقدم لتلك الدول لتسهم في تحقيق الأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية الشاملة.
لم يقتصر حديث الرئيس السيسي على القضايا الاقتصادية فحسب بل تناول أيضا الأبعاد السياسية لهذه التحديات. فقد تطرق إلى الوضع الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط مشيرا إلى الأوضاع المأساوية في فلسطين ولبنان جراء الحروب المستمرة مؤكدا على أن هذه الأزمات الإنسانية تؤثر بشكل مباشر على جهود التنمية. وأوضح الرئيس السيسي أن الأمن والتنمية لا يمكن تحقيقهما في ظل الصراعات المسلحة، وأن هناك حاجة ماسة إلى تحرك دولي من أجل وقف هذه الحروب. ورأى أن النزاعات المسلحة تؤدي إلى تفاقم الفقر والجوع مما يعيق أي محاولات جادة لتحقيق الاستقرار الإقليمي والتنمية المستدامة. وأكد على أن المجتمع الدولي يجب أن يكون له دور أكبر في وقف التصعيد وتعزيز جهود السلام.
الرئيس السيسي أيضا ناقش التحديات الاقتصادية التي يواجهها العالم اليوم وخاصة تلك التي تخص الدول النامية. وركز على الأزمة الاقتصادية العالمية التي تتسبب في تفاقم الفجوة التنموية، والتي تظهر بشكل واضح في زيادة معدلات الفقر والتضخم في العديد من البلدان. وأشار إلى أن النظام الاقتصادي الدولي ، في شكله الحالي لا يتيح للدول النامية فرصًا عادلة للنمو والتنمية. ولذلك دعا الرئيس السيسي إلى ضرورة إعادة النظر في السياسات الاقتصادية العالمية بما في ذلك تنظيم الأسواق العالمية وتوفير تمويل ميسر للدول النامية لتسهم في تحقيق التنمية الشاملة.
وفي إطار دعوته لتطوير النظام الاقتصادي الدولي، شدّد الرئيس السيسي على أهمية تمويل المشاريع التنموية في الدول النامية ، بما يضمن لها تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وأكد على ضرورة توفير تمويل ميسر يتم توزيعه بشكل عادل، مع مراعاة احتياجات الدول ذات الاقتصاد الهش. كما دعا إلى ضرورة توسيع قاعدة المعرفة من خلال تبادل التكنولوجيا الحديثة ، خاصة في مجالات الزراعة والذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة ، بما يساهم في تطوير البنية التحتية للدول النامية ويساعد في تحسين حياتها الاجتماعية والاقتصادية.
كما استعرض الرئيس السيسي خلال كلمته بعض المبادرات الوطنية التي تعكس التزام مصر بتحقيق التنمية المستدامة في الداخل. وأشار إلى مشروع "حياة كريمة"، الذي يعد أحد أضخم المشاريع التنموية التي أطلقتها الدولة لتحسين مستوى معيشة المواطنين في المناطق الريفية. ولفت إلى أن هذا المشروع لا يقتصر فقط على تحسين البنية التحتية، بل يشمل أيضًا تحسين الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم وتوفير فرص عمل للمواطنين. وأوضح أن "حياة كريمة" لا تقتصر على توفير احتياجات المواطنين ، بل تهدف أيضًا إلى تعزيز العدالة الاجتماعية وتحقيق تنمية مستدامة من خلال تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية في المناطق الأكثر احتياجًا.
وفي ختام كلمته شدد الرئيس السيسي على أن تحقيق أهداف التنمية المستدامة لن يكون ممكنًا دون العمل الجماعي بين الدول. وأكد على أن مصر ستكون دائمًا حريصة على المشاركة في أي جهود دولية تسهم في تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في العالم. وعبّر عن أمله في أن تساهم هذه القمة في صياغة حلول عملية للمشاكل الإنسانية التي يعاني منها العالم، مشيرًا إلى أن مسؤولية الجميع تكمن في العمل من أجل بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
كلمة الرئيس السيسي في قمة مجموعة العشرين تأتي لتؤكد على دور مصر الرائد في تعزيز التعاون الدولي من أجل تحقيق التنمية المستدامة. كما تعكس إيمان مصر العميق بأن التنمية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال الشراكات المتوازنة بين الدول المتقدمة والدول النامية. السيسي بيّن من خلال كلمته أن مصر، برغم التحديات التي تواجهها تسعى دائما إلى أن تكون جزءًا من الحلول الفاعلة، مؤكدًا على أن استقرار العالم يتحقق من خلال التعاون البناء بين جميع الدول، خصوصًا في المجالات التنموية التي تمس حياة البشر بشكل مباشر.
اترك تعليقك