كتب/شحاته زكريا
في ظل التحديات الاقتصادية العالمية والمحلية يثير حديث رئيس الوزراء المصري عن مرونة سعر الدولار تساؤلات واسعة حول آلية التعامل مع هذه السياسة وأثرها على الاقتصاد الوطني. وبينما ينقسم الرأي العام حول ما إذا كانت هذه الخطوة ضرورة حتمية أو مقامرة اقتصادية تظل الحقيقة واضحة: مرونة سعر الدولار تحتاج إلى أرضية صلبة من الصادرات والاستثمارات لتنجح.
تاريخيا عانت مصر من تجارب تثبيت سعر الصرف مما أدى إلى تراكم أزمات اقتصادية وانفجارات مفاجئة في سعر الدولار. مثال على ذلك كان تثبيت الدولار عند 15 جنيها بعد التعويم الأول في 2016 ، وهو قرار بدا في حينه مستقرا لكنه أدى لاحقا إلى قفزات غير مسبوقة وصلت إلى مستويات قياسية بسبب غياب التدفقات الدولارية الكافية.
المرونة المحسوبة في سعر الصرف ليست خيارا ترفيا بل ضرورة اقتصادية في عالم يتسم بالتغير السريع. لكن النجاح في تطبيقها يتطلب معالجة جذرية للتحديات التي تواجه الاقتصاد المصري. من أبرز هذه التحديات انخفاض تحويلات المصريين في الخارج ، والتراجع النسبي في إيرادات السياحة وقناة السويس نتيجة الأزمات الإقليمية والعالمية. هذه العوامل تسلط الضوء على أهمية تعزيز المصادر الدائمة للعملة الصعبة بدلا من الاعتماد على الأموال الساخنة التي أثبتت هشاشتها عند أول أزمة.
من جهة أخرى،ط لا يمكن الحديث عن مرونة الدولار دون التركيز على زيادة الصادرات. على الرغم من التصريحات الرسمية الطموحة حول رفع الصادرات إلى 100 مليار دولار سنويا تظل الأرقام الفعلية أقل بكثير من هذا الهدف. لتحقيق هذا الحلم يجب أن تتحول النوايا إلى أفعال ملموسة، من خلال إزالة العراقيل البيروقراطية التي تواجه المستثمرين المحليين والأجانب وتطوير الصناعات التصديرية بما يتماشى مع معايير السوق العالمية.
الاستثمارات الأجنبية هي الأخرى تمثل مفتاحا لاستقرار الاقتصاد المصري. ومع ذلك فإن جذب الاستثمارات يتطلب بيئة اقتصادية مستقرة وقوانين واضحة وشفافة تشجع على الاستثمار طويل الأمد. المشكلة لا تكمن في قلة الفرص بل في التحديات التي يواجهها المستثمرون عند تنفيذ مشاريعهم، بدءا من الروتين الحكومي وصولا إلى التغيرات المفاجئة في السياسات الاقتصادية.
إضافة إلى ذلك فإن مرونة الدولار تتطلب استراتيجيات طويلة الأمد للحفاظ على استقرار السوق المحلي. ارتفاع الدولار بشكل غير منضبط قد يؤدي إلى تضخم مفرط يلتهم مدخرات المواطنين ويزيد من الأعباء المعيشية. لذا فإن التوازن هنا بين العرض والطلب يجب أن يكون مدروسا بحيث لا يتسبب في أزمات اجتماعية واقتصادية.
في النهاية مرونة سعر الدولار ليست حلا سحريا لجميع المشاكل الاقتصادية لكنها قد تكون أداة فعالة إذا تم تطبيقها ضمن استراتيجية شاملة لتحفيز الصادرات والاستثمارات. بدون هذه الركائز تصبح المرونة مخاطرة قد تؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية. الحل يكمن في معالجة الجذور وليس فقط التعامل مع الأعراض لتحقيق اقتصاد مستدام قادر على مواجهة الأزمات بثقة واستقلالية.
اترك تعليقك