كتب/شحاته زكريا
في ظل التحديات الاقتصادية المتصاعدة التي يواجهها الاقتصاد المصري والعالمي على حد سواء ، بات من الضروري البحث عن حلول غير تقليدية لدعم الاستقرار والنمو الاقتصادي. الاعتماد على الحلول السريعة التي تعتمد على التمويل الخارجي والمؤسسات المالية الدولية قد يمنح استقرارا مؤقتا إلا أن التحديات المعقدة تتطلب استراتيجيات أكثر عمقا واستدامة تقوم على استثمار الموارد المحلية وتنمية القطاعات الحيوية.
أحد أهم الركائز التي يجب أن تُبنى عليها رؤية التنمية المصرية هو دعم الصناعات المحلية وزيادة الاعتماد على الإنتاج الوطني. فتعزيز الصناعة المحلية لا يسهم فقط في توفير فرص عمل ، بل يقلل من فاتورة الاستيراد ويحسن الميزان التجاري. هنا يأتي دور الحكومة في تحفيز الاستثمار الصناعي من خلال تقديم تسهيلات ضريبية وجمركية، وتطوير البنية التحتية اللازمة، وتشجيع الشراكات مع القطاع الخاص. بالإضافة إلى ذلك يمكن لمصر الاستفادة من تجارب دول أخرى قامت بنقل التكنولوجيا وتعزيز الابتكار في الصناعات، مثل الصين وكوريا الجنوبية من خلال شراكات استراتيجية تفيد الطرفين.
التحول الرقمي هو أيضا جزء أساسي من الرؤية الاقتصادية المستدامة. مع تسارع التطور التكنولوجي والتحول نحو الاقتصاد الرقمي ، أصبح من الممكن تحسين كفاءة العمل الحكومي وزيادة فعالية القطاع الخاص من خلال الاستثمار في البنية التحتية الرقمية. هذه التحولات تفتح آفاقا جديدة في مجالات متعددة كالتجارة الإلكترونية والتعليم عن بعد والرعاية الصحية الرقمية مما يعزز من القدرة التنافسية لمصر ويزيد من فرص الابتكار.
ومن زاوية أخرى يعد التوجه نحو الطاقة المتجددة أحد أكثر الخيارات الاستراتيجية الواعدة لتحقيق الاستدامة الاقتصادية. تمتلك مصر موارد هائلة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ، والتي يمكن استغلالها ليس فقط لتلبية احتياجاتها المحلية من الطاقة، ولكن أيضا لتحويل مصر إلى مركز إقليمي للطاقة النظيفة. وتعمل الحكومة حاليا على تعزيز استثماراتها في مشاريع الطاقة المتجددة مثل مجمع بنبان للطاقة الشمسية ، إلا أن هذا المسار يتطلب المزيد من الدعم والتوسع لتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية والملوثة، مما سيعزز من استقلالية الاقتصاد ويقلل من الآثار البيئية السلبية.
ولا يمكن الحديث عن تنمية اقتصادية مستدامة دون التركيز على الاستثمار في العنصر البشري ، حيث يمثل التعليم والتدريب المحور الأساسي لبناء قوة عمل قادرة على المنافسة والابتكار. إن رفع كفاءة النظام التعليمي وتعزيز برامج التدريب المهني خاصة في المجالات التقنية والصناعية سيسهم في إعداد جيل من الشباب يمتلك المهارات اللازمة للاندماج في سوق العمل وتحقيق قيمة مضافة للاقتصاد. كما يجب دعم رواد الأعمال وتشجيع الابتكار من خلال برامج تمويل مخصصة ومنظومة دعم تسهم في خلق فرص جديدة وتحقيق طموحات الشباب.
وختاما لا بد من إعادة النظر في هيكلية الاقتصاد المصري لتقليل الاعتماد على القروض الخارجية. بدلا من الاستدانة يمكن توجيه الجهود نحو تفعيل الاستثمارات المحلية وتطوير سياسات اقتصادية تركز على الإنتاج والتصدير. التحديات التي تواجهها مصر اليوم تتطلب إرادة قوية ورؤية واضحة تجمع بين تنمية القطاعات التقليدية مثل الزراعة والصناعة، وتطوير القطاعات الجديدة كالتكنولوجيا والطاقة المتجددة.
بإمكان مصر أن تصبح نموذجا إقليميا وعالميا للتنمية المستدامة إذا ما استثمرت بذكاء مواردها البشرية والطبيعية، ووضعت استراتيجية بعيدة المدى تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز استقلاليتها الاقتصادية.
اترك تعليقك