كتب/شحاته زكريا
على مدار الأعوام الأخيرة شهد الاقتصاد المصري سلسلة من الإصلاحات الهيكلية الهادفة إلى بناء قاعدة اقتصادية مستدامة قادرة على مواجهة التحديات العالمية. ومن بين أبرز هذه الخطوات جاء طرح الشركات كإجراء يعكس تحولا في السياسات الاقتصادية ، مستهدفا تحريك المياه الراكدة وتعزيز الثقة بين المستثمرين المحليين والدوليين.
طرح الشركات ليس مجرد قرار اقتصادي تقني ، بل هو خطوة تعبر عن رؤية متكاملة تسعى لجذب الاستثمارات وزيادة كفاءة الشركات المملوكة للدولة. الحكومة المصرية أدركت أن إعادة ترتيب الأوراق الاقتصادية يتطلب الاعتماد على سياسات جريئة تراعي التوازن بين تعزيز دور القطاع الخاص والاحتفاظ بسيادة الدولة على القطاعات الحيوية.
عملية الطرح شملت مجموعة من الشركات التي تم اختيارها بعناية لتغطية قطاعات استراتيجية مثل البنوك ، الطاقة المتجددة والصناعات الغذائية والدوائية. هذه الخطوة لم تأتِ عشوائية، بل تعكس استراتيجية حكومية واضحة تعتمد على التنوع الاقتصادي ، وتقديم فرص استثمارية متعددة تعكس أهمية كل قطاع في تعزيز النمو الاقتصادي.
ورغم ما قد يبدو للبعض أن عملية طرح الشركات تحمل مخاطر بيع الأصول الوطنية، إلا أن الحكومة المصرية حرصت على التأكيد بأن الطرح لن يشمل بيع الشركات بالكامل بل سيقتصر على نسب محدودة ، سواء عبر البورصة أو للمستثمرين الاستراتيجيين. هذه الاستراتيجية تهدف إلى تحقيق عوائد مالية فورية، مع الحفاظ على سيادة الدولة ودورها كشريك رئيسي في إدارة هذه الشركات بما يضمن استمرارية العوائد على المدى الطويل.
دوليا تُظهر التجارب الناجحة لدول مثل سنغافورة والسعودية وتركيا أهمية استغلال الطروحات في بناء اقتصادات قوية. هذه الدول استخدمت الطرح ليس فقط لجذب رؤوس الأموال .بل أيضا لتطوير بنيتها التحتية وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين. على غرار هذه النماذج تسعى مصر إلى تحقيق توازن بين أهدافها الاقتصادية والاجتماعية بحيث يتم استثمار عوائد الطروحات في مشروعات قومية تمس حياة المواطن بشكل مباشر.
أما على المستوى المحلي فإن نجاح الطروحات يعزز ثقة المستثمرين في السوق المصرية. دخول رؤوس أموال جديدة يساهم في توفير سيولة داخل البورصة وتحقيق انتعاش في قطاعات مختلفة مثل الطاقة والصناعات الدوائية. كما أن تحسين الأداء الإداري للشركات المدرجة يرفع من كفاءتها، وهو ما ينعكس إيجابيًا على الاقتصاد ككل.
لا يقتصر تأثير هذه الإصلاحات على المؤشرات الاقتصادية فحسب بل يمتد إلى حياة المواطن البسيط. زيادة الاستثمارات تعني فرص عمل جديدة وتحسين الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم إلى جانب توفير منتجات ذات جودة أعلى بأسعار تنافسية. المواطن هو الهدف الأساسي من هذه الإصلاحات، حيث تسعى الدولة إلى خلق مناخ اقتصادي يعزز من مستوى معيشته ويمنحه فرصا حقيقية للنمو والازدهار.
في النهاية طرح الشركات ليس سوى خطوة في مسيرة طويلة نحو تحقيق رؤية اقتصادية شاملة. التحديات لا تزال قائمة، لكن الرؤية التي تجمع بين الطموح والتخطيط المحكم تبعث برسالة واضحة: مصر ماضية بثبات نحو مستقبل اقتصادي أكثر استقرارا حيث تتناغم السياسات مع طموحات المواطن ويتحول الاقتصاد إلى محرك حقيقي للتنمية.
اترك تعليقك