كتب/شحاته زكريا
في لحظة تاريخية محورية ، تنعقد اليوم في القاهرة قمة منظمة الدول الثماني للتعاون الاقتصادي (D8) حاملة معها آمالا كبرى وفرصا استثنائية لتعزيز التعاون بين دول تمتلك إمكانيات هائلة وتواجه تحديات مشتركة. القمة ليست مجرد اجتماع دوري ، بل منصة تتجاوز الأهداف التقليدية لتصبح أداة لإعادة صياغة العلاقات الدولية ودفع عجلة التنمية والاستقرار في عالم يموج بالصراعات والأزمات.
تمثل الدول الأعضاء في المنظمة ، من مصر إلى تركيا وإيران وباكستان ونيجيريا وماليزيا وإندونيسيا وبنجلاديش قوة سكانية ضخمة بأكثر من مليار نسمة ، واقتصادا هائلا يبلغ حجمه نحو 5 تريليونات دولار. هذا الثقل الاقتصادي يمنح هذه الدول القدرة على التأثير في الملفات الإقليمية والدولية خصوصا أن كل منها تلعب دورا محوريا في محيطها الجغرافي والسياسي.
أهمية هذه القمة تتضاعف في ظل التحديات العالمية الراهنة من أزمات اقتصادية متفاقمة إلى صراعات سياسية تهدد الاستقرار الدولي. القاهرة التي تستضيف القمة تبرز كمنصة لتوحيد الرؤى وتعزيز التعاون بين هذه الدول التي تمثل قارات آسيا وأفريقيا. ليس الهدف مجرد تعزيز التبادل التجاري والاستثماري ، بل التنسيق في القضايا الحساسة التي تتطلب مواقف جماعية ، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
مصر بقيادتها الدبلوماسية النشطة ، تؤكد مجددا دعمها الثابت لحقوق الشعب الفلسطيني حيث وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي دعوة للرئيس الفلسطيني محمود عباس لحضور القمة. هذه الخطوة ليست رمزية فحسب بل تعكس إدراكًا عميقًا بأهمية توسيع دائرة الدعم الإقليمي والدولي للقضية الفلسطينية في وجه العدوان الإسرائيلي المستمر.
إلى جانب الملفات الاقتصادية والسياسية تمثل القمة فرصة لتعزيز العلاقات الثنائية بين الدول الأعضاء. حضور الرئيس الإيراني إلى مصر للمرة الأولى منذ توليه منصبه وزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، يعكسان تغيرا في طبيعة العلاقات بين دول المنطقة. هذه اللقاءات الثنائية على هامش القمة قد تفتح آفاقا جديدة للتعاون الإقليمي ، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي.
كما أن مشاركة دول مثل إندونيسيا، باكستان، ونيجيريا تضيف أبعادا جغرافية واستراتيجية، حيث تمثل هذه الدول قوى مؤثرة في آسيا وأفريقيا. هذا التنوع يتيح فرصا أكبر لتبادل الخبرات وإيجاد حلول مشتركة للأزمات سواء كانت مرتبطة بالطاقة أو الأمن الغذائي أو التنمية المستدامة.
ما يجعل هذه القمة مختلفة هو توقيتها الحرج وطموحها في تحقيق ما هو أبعد من التوصيات الروتينية. هي دعوة للعمل الجماعي لرسم مسار جديد يقوم على التعاون والتكامل. الدول الأعضاء أمام فرصة حقيقية ليس فقط لتعزيز العلاقات فيما بينها بل أيضا لإرسال رسالة إلى العالم بأن هناك قوى ناشئة قادرة على تقديم نموذج جديد للتنمية والسلام.
قمة الثماني النامية في القاهرة ليست مجرد اجتماع اقتصادي ، بل هي خطوة نحو إعادة تشكيل موازين القوى، وتحقيق رؤية مستقبلية قائمة على الشراكة والتضامن. نجاح القمة لن يُقاس بالقرارات الصادرة عنها فحسب بل بقدرتها على إحداث تغيير حقيقي في حياة الشعوب وتعزيز الاستقرار في منطقة تحتاج بشدة إلى حلول مستدامة.
اترك تعليقك