كتب/شحاته زكريا
حين نتأمل خريطة الشرق الأوسط اليوم نجدها أشبه بلوحة معقدة تتشابك فيها الألوان والخطوط بشكل يصعب فهمه. هنا تتداخل المصالح الدولية مع الطموحات الإقليمية وتتقاطع رغبات الشعوب مع سياسات القوة. في هذا المشهد المضطرب، يبرز سؤال جوهري: إلى أين يتجه الشرق الأوسط؟
الحديث عن "الشرق الأوسط الجديد" ليس حديثا وليد اللحظة. المصطلح أطل برأسه أول مرة في أعقاب اتفاقية سايكس-بيكو، حينما عمدت القوى الاستعمارية إلى تقسيم المنطقة وفقا لمصالحها. اليوم تعود الفكرة بوجه جديد ، ربما أقل وضوحا لكنه أكثر تأثيرا، إذ لم تعد الحدود هي الوسيلة الوحيدة لإعادة تشكيل المنطقة. هناك الآن أدوات أخرى مثل الإعلام والتكنولوجيا ، تعيد تشكيل الوعي الجماعي للشعوب، وتفتح الباب أمام سيناريوهات غير متوقعة.
على مدار عقود كانت الصراعات في الشرق الأوسط تتمحور حول الأرض ، سواء كانت القضية الفلسطينية أو النزاعات الحدودية الأخرى. لكن مع بداية القرن الحادي والعشرين تغيرت الأولويات. الصراعات أصبحت تدور حول الموارد والطاقة والهوية الثقافية. الغريب أن هذه الصراعات ، على الرغم من اختلاف أشكالها، لا تزال تحمل جذور الماضي وكأن المنطقة عاجزة عن التحرر من قيود تاريخها.
إذا أمعنا النظر سنجد أن القوى الإقليمية والدولية تتسابق لتثبيت موطئ قدم في المنطقة. بعضها يسعى لتعزيز نفوذه التاريخي ، والبعض الآخر يطمح لتغيير موازين القوى لصالحه. وسط كل هذا نجد الشعوب هي الطرف الأكثر تأثرا. تلك الشعوب التي لطالما حلمت بالأمن والاستقرار تجد نفسها رهينة لعبة أكبر منها حيث يُرسم مستقبلها على طاولة تفاوض لا مكان لها فيها.
لكن، ورغم هذا الواقع القاتم ، يظل الأمل حاضرا. فالشرق الأوسط ليس مجرد مسرح للصراعات ، بل هو أيضا مهد الحضارات ومنبع الأفكار الخلاقة. شعوب المنطقة التي لطالما عاشت بين مطرقة الاستعمار وسندان الاستبداد تمتلك طاقة هائلة للتغيير إذا ما أتيحت لها الفرصة.
ربما يكون التحدي الأكبر اليوم هو استعادة الثقة بين الأطراف المختلفة. الثقة بين الحكومات وشعوبها وبين الدول وبعضها. بدون هذه الثقة، ستظل المنطقة تدور في حلقة مفرغة من الصراعات والأزمات. وهنا يأتي دور المثقفين والقادة الحقيقيين ، الذين يستطيعون صياغة رؤية مشتركة لمستقبل الشرق الأوسط ، رؤية تقوم على الحوار والاحترام المتبادل بعيدا عن الحسابات الضيقة والمصالح المؤقتة.
في النهاية يمكن القول إن الشرق الأوسط يقف اليوم عند مفترق طرق. إما أن يكون نموذجا للعالم في كيفية تجاوز الماضي لبناء مستقبل أفضل أو يظل أسيرا لصراعاته الداخلية وأطماعه الخارجية. الخيار بين أيدينا وما يحتاجه الشرق الأوسط الآن ليس المزيد من الخطط الجاهزة ، بل الإرادة الحقيقية للتغيير.
ربما يكون الحلم بعيد المنال ، لكنه ليس مستحيلا. فالتاريخ يعلمنا أن كل مرحلة مظلمة تحمل في طياتها بذور النور وما علينا إلا أن نزرع تلك البذور بعناية وصبر.
اترك تعليقك