الأخبار العاجلة
  • الثلاثاء, 14 يناير 2025
أخبار السياسة و الطاقة
  • رئيس مجلس الإدارة و التحرير
    خالد حسين البيومى
سوريا الجديدة ..  خريطة المصالح وتحولات المشهد
الأحد 12 يناير 2025 10:49 م

سوريا الدولة التي كانت لعقود محور توازن في الشرق الأوسط تحولت اليوم إلى مسرح مفتوح تتداخل فيه القوى الكبرى والصغرى وتتصارع فيه المصالح الإقليمية والدولية. ما بين سقوط نظام قديم ومحاولات بناء نظام جديد يبرز السؤال الأهم: ما الذي تريده القوى المؤثرة في المنطقة والعالم من سوريا؟ وكيف ستنعكس تحركاتها على مستقبلها؟

في قلب المشهد تقف سوريا كمرآة تعكس تعقيدات السياسة الدولية. فالدول الكبرى ليست مجرد مراقبين بل هي لاعبين رئيسيين بأدواتهم وتحالفاتهم. تركيا على سبيل المثال تسعى إلى إعادة صياغة دورها الإقليمي عبر بوابة سوريا. تسعى أنقرة لإبقاء دمشق الجديدة في مدارها السياسي والاقتصادي وفي الوقت نفسه تضغط لسحق أي طموحات كردية على حدودها الجنوبية. هذا التحرك لا يتوقف عند البعد الأمني بل يمتد إلى المصالح الاقتصادية مثل تحويل سوريا إلى سوق لمنتجاتها وربطها باتفاقيات بحرية تُعزز نفوذ تركيا في شرق المتوسط.

أما إسرائيل فقد وجدت في الفوضى السورية فرصة ذهبية لتعزيز مكاسبها الاستراتيجية. استطاعت تدمير جزء كبير من القدرات العسكرية السورية واستغلال الفوضى للسيطرة على أراضٍ جديدة تُستخدم لاحقا كأوراق ضغط في أي مفاوضات مقبلة. تطمح إسرائيل إلى رؤية نظام سوري مستسلم يُوقع على اتفاقيات تُكرّس هيمنتها في المنطقة.

في المقابل تتعامل الولايات المتحدة مع الملف السوري من منظور مختلف ، حيث تُركز على الحد من النفوذ الروسي والإيراني. ورغم التصريحات المعلنة حول دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان ، إلا أن التحركات الأمريكية غالبا ما تدور في فلك المصالح الاستراتيجية ، كتعزيز أمن إسرائيل وضمان عدم تصادم النظام الجديد مع مصالحها الإقليمية.

إيران التي خسرت حليفا استراتيجيا بسقوط نظام الأسد تسعى إلى الحفاظ على ما تبقى من نفوذها في المنطقة. من خلال محاولات الالتفاف على التحولات السياسية، تعمل طهران على تقويض جهود خصومها متسلحة بتحالفاتها مع الميليشيات المحلية والإقليمية.

أما الدول العربية ورغم اجتماعاتها ومحاولاتها تقديم رؤى مشتركة ، لا تزال تتصرف بشكل فردي في كثير من الأحيان. السعودية، على سبيل المثال تُركز على تقليص النفوذ الإيراني ، بينما تسعى دول أخرى إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية منفردة. هذا التشتت في المواقف العربية يُضعف من قدرتها على التأثير الجماعي في المشهد السوري.

وسط كل هذه التحركات ، يبقى الشعب السوري هو الحلقة الأضعف ، رغم كونه العامل الحاسم في تشكيل مستقبل بلاده. فبناء سوريا الجديدة يتطلب أولا وأخيرا تحقيق توافق داخلي يضع حدا للصراعات ويُعيد للسوريين الأمل في بناء دولة تُلبي تطلعاتهم.

ختاما السؤال الذي يفرض نفسه: هل ستتمكن القوى المتصارعة من الوصول إلى صيغة توازن تُحقق الاستقرار؟ أم أن سوريا ستظل ساحةً مفتوحة للمنافسة بلا نهاية؟ الإجابة ستعتمد على قدرة السوريين أنفسهم على فرض إرادتهم ، وسط أمواج المصالح المتلاطمة.


اترك تعليقك

Top