كتب/شحاته زكريا
تمر سوريا بمنعطف حاسم يعكس امتداد أزمات متشابكة ترسّخت منذ عام 2011 لتصبح الدولة التي كانت يوما منارة للاستقرار في الشرق الأوسط مسرحا لصراعات داخلية ودولية. الفوضى التي تسود المشهد السوري ليست مجرد اضطرابات عابرة بل حالة مستمرة من التدهور الهيكلي غذّتها تدخلات خارجية وصراعات محلية. ومع غياب رؤية وطنية جامعة ، باتت سوريا مثالا على دولة أسيرة الفوضى في منطقة مشتعلة.
الصراع السوري يتجاوز كونه نزاعا عسكريا داخليا فهو انعكاس لتحولات عميقة في النظام الإقليمي والدولي. التدخلات الأجنبية ، التي يفترض أنها تسعى لتحقيق الاستقرار تحولت إلى عامل أساسي في تعميق الأزمة. القوى الدولية والإقليمية ، في سعيها لتعزيز نفوذها أدخلت البلاد في حالة من الانقسام بينما تُرك الشعب السوري يواجه معاناة إنسانية غير مسبوقة. هذه التدخلات لم تكن حلولا بل زادت من تعقيد المعضلة ، محولة سوريا إلى ساحة لتصفية الحسابات الجيوسياسية.
الأزمة الإنسانية التي تعصف بسوريا هي أحد أبرز مظاهر هذا الواقع القاتم. ملايين اللاجئين وآلاف القتلى والبنية التحتية التي انهارت بالكامل ، تعكس الأثر الكارثي لصراع طال أمده. ومع تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية باتت الحياة اليومية للسوريين شاهدة على حجم المأساة التي تحتاج إلى معجزة سياسية لتجاوزها.
ما يجعل الأزمة السورية أكثر تعقيدا هو انعدام الثقة بين الأطراف المختلفة سواء المحلية أو الدولية. فبينما تتصارع الفصائل العسكرية والسياسية للسيطرة يغيب الحوار الفعلي القائم على مصلحة الشعب السوري. ومع استمرار الانقسامات الداخلية أصبح الحل السياسي الشامل بعيد المنال ليظل الاستقرار حلما مؤجلا لشعب أرهقته الحروب.
إن غياب سلطة مركزية قوية في سوريا جعلها بيئة خصبة لنمو الجماعات الإرهابية التي استغلت الفوضى الأمنية لتحقيق مصالحها. هذا الأمر لم يقتصر على تهديد الأمن داخل سوريا بل انعكس على دول الجوار مما زاد من حالة التوتر الإقليمي. ومع تصاعد الأزمات باتت الفوضى السورية تهدد الأمن العالمي بأسره ، مما يستدعي جهودا دولية عاجلة لإيجاد حلول مستدامة.
إنقاذ سوريا من هذا الواقع المأساوي يتطلب تحركا جماعيا يقوم على مبدأ دعم الحوار الوطني وإرساء أسس ديمقراطية تضمن حقوق الجميع. التدخلات العسكرية أثبتت فشلها في تحقيق السلام بل عمّقت الأزمة. المطلوب اليوم هو رؤية شاملة تنبع من الداخل ، تركز على بناء الدولة ، وليس فقط على إنهاء الصراع.
سوريا التي كانت رمزا للحضارة والتنوع تستحق أكثر من أن تكون رهينة للفوضى والمصالح الضيقة. إن تحقيق الاستقرار في هذا البلد ضرورة أخلاقية وإنسانية ، بل هو ركيزة لضمان أمن المنطقة بأكملها. فهل سيشهد العالم لحظة يتكاتف فيها الجميع لإنقاذ سوريا أم أن الفوضى ستظل قدرها؟
اترك تعليقك